195

Qoraayaasha Carabta ee Cusmaaniyiinta

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Noocyada

ويطلعنا على كثير من عاداتهم في الضيافة وإيقاد النار لها. وعلى خرافاتهم واعتقاداتهم الباطلة، ومنها ما كان في عصره كاعتقادهم العين المالحة، وهي التي تعرف بالعين الشريرة.

ويطلعنا أيضا على منزلة الأعاجم في عصره، ولا سيما الأطباء، فإن الناس كانوا لا يرون خيرا في الطب إلا في ما جاءهم عن نصراني عجمي. ومن ذلك خبره عن أسد بن جاني الطبيب العربي المسلم.

فالجاحظ كما ترى يصور أحوال عصره في كل كتاب يصنفه، ويطالعك بكل حديث طريف، ونادرة ظريفة، فيفيدك ويلهيك في وقت واحد. ويمتاز البخلاء في أن أشخاصه على شحهم وخساستهم لا يطبعون في النفس صورا كدرة تنفر منها؛ لأن الجاحظ ألقى عليهم من خفة روحه ظلا لطيفا فحسنهم في العين، وحببهم إلى القلب، فهم من طياب البخلاء كما ينعتهم أو ينعت بعضهم. والكتاب كله يجري على هذا النمط من تصوير للأخلاق والعادات، وأخبار في الحرص والاقتصاد، وأدب كثير ونوادر وأشعار.

أسلوبه الإنشائي

للجاحظ أسلوب لا تخطئه، سواء وقعت عليه في كتاب صنفه، أو في رسالة دبجها. ولهذا الأسلوب ميزات متعددة، منها أن الكاتب يستهله بالبسملة، ويردفها على الغالب بالحمدلة والتعوذ كما فعل في البيان والتبيين، أو بمقدمة دعائية يخاطب بها شخصا لا يسميه، كقوله في الحيوان: «جنبك الله الشبهة، وعصمك من الحيرة ...» وقوله في البخلاء: «تولاك الله بحفظه، وأعانك على شكره ...» والدعاء من لزوميات الجاحظ يكثر منه في جمل اعتراضية إما تملحا وتظرفا، وإما تلطفا وتحببا، وإما سخرا وتهكما، وهذا أظرف الأدعية عنده وألذها وقعا؛ كقوله على لسان صاحب له: «فكيف عقل العجوز حفظها الله!»

والسخر عند الجاحظ طبيعي لا يتكلفه تكلفا، فالنكتة أبدا على أسلة لسانه، والتهكم حشو ألفاظه؛ فلذلك كثر هزله في مواضع الجد، فبينا يكون في بحث علمي رصين لا يلبث أن يفاجئك بالنادرة الظريفة فيضحكك ويزيل سأمك. وقلما خلا كتاب له من المضاحك والمهازل، فهو من أولئك الناس الذين يرون الدنيا ضاحكة إذا ضحكوا لها. وكان يعتذر من خروجه إلى المزح بعد الجد بقوله: «وإن كنا قد أمللناك بالجد، وبالاحتجاجات الصحيحة الممزوجة لتكثر الخواطر وتشحذ العقول، فأستنشطك ببعض البطالات وبذكر العلل الظريفة، والاحتجاجات الغريبة.»

وتهكم الجاحظ لطيف ناعم، وربما جاء به ذما في قالب المدح دون أن يتبغض فيه. وهو كثير السخر بالخرافات والحماقات والأحاديث الكاذبة. وكتابا الحيوان والبخلاء حافلان بسخره وتندره .

ويمتاز أسلوبه في الاستطرادات الكثيرة فما يمسك غرضا إلا تجاوزه إلى آخر بدافع من شعر أو حديث أو آية، أو غير ذلك يستشهد به ويقف عنده فيخرجه عن موضوعه إلى أغراض مختلفة حتى يتيه بقارئه. ثم يرجع به إلى الحديث الذي خرج عنه بعد أن ينسيه إياه. وقد يطول استطراده فيستغرق عدة صفحات، وقد يقصر فما يجاوز بضعة أسطر، ويرى الجاحظ لنفسه في ذلك عذرا فيقول: «وعلى أني قد عزمت - والله الموفق - أن أوشح هذا الكتاب، وأفصل أبوابه بنوادر من ضروب الشعر، وضروب الأحاديث؛ ليخرج قارئ هذا الكتاب من باب إلى باب، ومن شكل إلى شكل، فإني رأيت الأسماع تمل الأصوات المطربة، والأغاني الحسنة، والأوتار الفصيحة إذا طال ذلك عليها.»

ومن ميزاته التكرير والمرادفة والإسهاب، ويعود ذلك على قصده إلى تبليغ المعنى وإيضاحه، وإبراز الموصوف وتصويره، ثم على تطرابه لموسيقى ألفاظه، ووقعها في مسامعه.

وتصوير الموصوف من أبرز خصائص الجاحظ، فإنه كثير العناية بمراقبة الأشياء التي يصفها فما يهمل موضعا يتعلق به غرضه إلا جعل له صورة حتى يبرز موصوفه على الشكل الذي يراه، ومن الناحية التي يريد أن يظهره فيها. ويستعين على ذلك بتعابيره الخاصة فيكرر ويرادف، ويبدئ ويعيد، إلى أن تتم له الصورة التي يريد.

Bog aan la aqoon