Qoraayaasha Carabta ee Cusmaaniyiinta
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Noocyada
ويقوده الكلام على الحيوان وأضراره ومنافعه إلى بحث فلسفة الخلق وضرورة وجود الخير والشر واللذة والألم في الحياة.
والجاحظ في هذا البحث يريد أن يظهر قدرة الله وحكمته في خلقه، وأنه خلق كل شيء نافعا وإن يكن فيه الأذاة والضرر. وإظهار قدرة الله وحكمته هو الغاية التي يتطلبها الكاتب في جميع مباحث هذا الكتاب، فإنه لا يورد مثلا، ولا يقص خبرا، ولا يبدي درسا إلا استخلص منه عبرة يردها على قدرة الله وحسن صنعه في خلقه.
فكتاب الحيوان كما رأيت، فيه أدب كثير، وفيه علم غير يسير، وإذا غلبت عليه الصبغة الأدبية فمن الغبن أن نبخسه حقه من العلم، فإن فيه من الاستقراءات والاختبارات ما لا تجده إلا في مصنفات العلماء والمفكرين.
البخلاء: أغراضه
هذا كتاب جعله الجاحظ في جزء واحد، صور فيه أخلاق البخلاء وطرقهم في الحرص والاقتصاد، وصدره بمقدمة خاطب فيها شخصا طلب إليه أن يذكر له البخل ونوادر أصحابه، فأجاب طلبه، ووضع له هذا الكتاب. وأوله رسالة من سهل بن هارون إلى بني عمه، وقد ذموا مذهبه في البخل، فدافع عنه واحتج له ، وذكر منافعه، وما قيل في تحسين الحرص وذم السرف. حتى إذا انتهت الرسالة أخذ الجاحظ في سرد قصص البخلاء، وأكثرهم من أهل البصرة وخصوصا أهل مسجدها وفيهم من أهل خراسان، ويتخلل هذه الأقاصيص حيل البخلاء في الحرص والاقتصاد وجمع المال، ودفع الضيوف، ومناظرات كثيرة بين السخي والشحيح. ولا يتحرج الكاتب من فضح أصدقائه المبخلين وذكر نوادرهم، وفيهم طبقة من الأدباء والعلماء. ويختم هذه الأقاصيص بإيراد رسالة من أبي العاص بن عبد الوهاب إلى الثقفي يذم فيها البخل ويمدح الجود. ويتعرض لرجل يعرف بابن التوأم، فيعده في البخلاء. فلما بلغت الرسالة ابن التوأم كره أن يجيب أبا العاص لما في ذلك من المنافسة، وخاف أن يترقى الأمر أكثر من ذلك، وكأنه خشي أن يؤثر كلام أبي العاص في نفس الثقفي فيصرفه عن البخل، فبادر إليه برسالة فند فيها أقوال أبي العاص، ومدح البخل، وزين جمع المال.
ثم يعود الجاحظ إلى أخبار البخلاء فيروي نوادر عن بخل الأصمعي، ثم ينتقل إلى أسماء المآدب عند العرب، فيبين اختصاص كل اسم بمعناه كالخرس يتخذ للطعام صبيحة الولادة، والإعذار طعام الختان.
ويقوده الكلام على المآدب إلى التحدث بجوع العرب وعطشهم، وشظفهم وفقرهم، ثم يستطرد إلى شبعهم وخصبهم وضيافاتهم، وقدرهم وصفاتها عند الشعراء من مدح وذم، ويعدد طعام الأعراب من طيب ورديء. ويروي أشعارا هجيت بها أقوام لاشتهارهم ببعض الأكلات، ثم يذكر الكلاب ونبحها في الليل لاستجلاب الضيوف، ونبحها في وجه الضيف لدفعه، ويروي ما قيل من الشعر في هذا وذاك. ويختم الكتاب بالكلام على النيران التي كان يوقدها العرب في الأماكن المرتفعة ليهتدي بها الضيفان، ويروي ما قيل في ذلك من الشعر.
فالكتاب كما يتبين لا يقتصر على أخبار البخلاء، وإنما هو كسائر كتب الجاحظ حافل بمختلف الأغراض مصطبغ بالأدب من جميع جهاته. ولكن فوائده جمة في تدبير المنزل وعلم الاقتصاد، وإن تكن أقاصيصه مصروفة إلى ناحية الشح والجشع.
وفي الكتاب من الفوائد التاريخية ما لا يقل شأنا عن الفوائد الاقتصادية، فإنه يطلعنا على أنواع الملابس والأطعمة عند الأعراب، وأحوالهم في الشدة والرخاء، فبينما كان بعضهم يأكل نحاتة القرون والأظلاف، والدقيق المختلط بالشعر، والقردان المعجونة بالدم وغير ذلك من خبيث الطعام، كان البعض الآخر، وهم المترفون، يأكلون الطيب من اللحوم، والتمر، واللبن، والفاكهة، والفالوذق.
26
Bog aan la aqoon