وأيضا الخيرات الكثيرة آثر من التى هى أقل: إما على الإطلاق وإما إذا كانت أشياء توجد فى غيرها وكان الأقل فى الأكثر. والعناد فى ذلك هو أن يكون مجموع الاثنين آثر من الواحد. مثال ذلك قولنا: أن يصح، والصحة آثر من الصحة، لأن قولنا أن يصح إنما نؤثره من أجل الصحة. وليس يمنع مانع أن يكون ما ليس بخير آثر مما هو خير، بمنزلة أن السعادة وغيرها مما ليس هو خيرا آثر من العدالة ومن الشجاعة. وهذه إذا كانت مع لذة، آثر من التى تكون بغير لذة. وإذا كانت بغير أذى فهى آثر من التى مع أذى.
وكل واحد من الأشياء فى الوقت الذى تكون قوته أعظم فيه يكون آثر، بمنزلة ما إن قلة الأذى فى الشيخوخة آثر منها فى الشباب، لأن قوتها فى الشيخوخة أعظم، وعلى مثال ذلك الأدب فى وقت الشيخوخة آثر. وذلك أن ليس أحد يختار الشباب رؤساء، من قبل أنه لا يرى أنهم أدباء. فأما الشجاعة فالحال فيها بالعكس؛ وذلك أن الضرورة إلى فعل الشجاعة فى الشباب أشد. وكذلك العفة، وذلك أن الشباب أشد تأذيا بالشهوات من الشيوخ.
والشىء الذى هو أنفع فى كل وقت أو فى أكثر الأوقات هو آثر، بمنزلة ما أن العدالة والعفة آثر من الشجاعة. وذلك أن تينك نافعتان دائما، وهذه فى بعض الأوقات. — والشىء إذا كان لنا بأجمعنا لم نحتج إلى نظيره أصلا — آثر من الذى إذا كان لنا احتجنا معه إلى الباقى، كالحال فى العدالة والشجاعة. وذلك أن الناس كلهم إذا كانوا عدولا لم ينتفع بالشجاعة؛ وإذا كانوا كلهما شجعانا انتفع بالعدالة.
Bogga 538