يتكون مجموع الحزب من أعضاء عاملين وأعضاء مساعدين، وكل عضو منه لا بد أن ينتمي إلى شعبة من شعبه، وتنقسم تلك الشعب إلى نوعين: النوع الأول وهو الأكثرية الساحقة هي «الشعب الترابية»، لكل واحدة منطقة محدودة وعددها يفوق 400 شعبة، و«الشعب غير الترابية» وهي موجودة خاصة في العاصمة تجمع عادة المهاجرين إليها من بلدة معينة أو جهة معينة. وقد تبعنا في الغالب التقسيم الطبيعي سواء أكان بشريا أم جغرافيا.
ولا تتكون الشعبة الرسمية إلا إذا انخرط فيها 50 عضوا عاملا على الأقل، فإذا تم ذلك النصاب تعقد جلستها العامة وتنتخب هيئة إدارتها التي من بينها رئيس الشعبة وأمينها العام وأمين صندوقها والمسئول عن الشبيبة والمسئول عن الدعاية، وتجتمع تلك الهيئة مرة في الأسبوع على الأقل لبحث الوسائل الناجعة لإنمائها واتساعها وتطبيق أوامر الحزب في منطقتها، وعليها أيضا أن تعقد اجتماعا عاما لجميع المنخرطين فيها مرة في كل نصف شهر على الأقل، وتكون من الشبان التابعين لها «شبيبة دستورية» تسهر الشعبة على تربيتها الوطنية وتدريبها على العمل وتنفيذ الأوامر والامتثال للنظام. وفي غالب الأحايين تنشئ لها شبه مدرسة لتثقيفها تثقيفا سياسيا وطنيا ممزوجا بثقافة عامة، وتكون الشعبة أيضا هيئة من الدعاة يعملون باستمرار تحت إشرافها في جميع منطقتها لبث الدعاية الفردية والاتصال بجميع الطبقات لجلبهم للحزب وتوجيههم التوجيه الصحيح، فينبثون في الأماكن العامة والخاصة مجادلين ومناقشين مدافعين ومبينين، ويكون عددهم حسب أهمية الشعبة.
وتختلف مناطق الشعب اختلافا كبيرا في مساحاتها الترابية، ففي البوادي تنتقل الشعبة بطبيعة الحال مع القبيلة، وهي في الجهات الزراعية يتفرق أعضاء الشعبة على مجموعات المساكن المتفرقة التي تسمى عندنا ب «المشتى» أو «الدوار»، ويكونون في كل واحدة منها مركزا تابعا للشعبة، وفي كل قرية وكل مدينة شعبة. وإذا كانت المدينة كبيرة آهلة بالسكان، فتتكون في كل حي منها شعبة، ولكل شعبة ناديها الخاص تجتمع فيه فيصبح شعارا للروح القومية ومركزا يتجه نحوه كل «دستوري»، ومرجعا ومأوى وينبوعا للأفكار الحية ومنارا ينير السبيل في وجه الشعب وعنوانا على استمرار الكفاح. (4-1) الجامعات الدستورية
وقد انتظمت تلك الشعب في «جامعات دستورية» لكل واحدة منها منطقتها، فقسم الحزب هكذا المملكة التونسية 14 جامعة، تسهر كل واحدة منها على سير الحركة بجهتها، وتكون الرابطة بين الهيئة العليا للحزب والشعب، ولها هيئة مديرة تنتخب من بين أعضاء هيئات الشعب، وتشرف على أعمال الدعاية الحزبية وتكوين الشعب الجديدة وتنظيم الشعب القديمة ومحاسبتها المالية. (4-2) المؤتمر
ويقتضي نظام الحزب مبدئيا أن ينعقد مؤتمره مرة في كل سنة، ولكن النضال الوطني الدائم جعله لا يعقد جلساته العامة إلا مرة بعد سنوات، وهو أعظم هيئة في الحزب، وصاحب السلطات كلها فيه؛ لأنه يمثل جميع أعضائه تمثيلا ديمقراطيا صحيحا، ويتكون من نواب ينتخبهم الأعضاء العاملون مباشرة في مقر شعبهم، وتقدم الهيئة العليا استقالتها لديه لمجرد اجتماعه، وهو الذي يسطر نظام الحزب أو يدخل عليه تحويرات، وهو الذي يقرر سياسة الحزب واتجاهه، وهو أيضا الذي يعين بالتصويت الهيئة المديرة للحزب، وينتخب أيضا قسما من «المجلس الملي». (4-3) الديوان السياسي
تسمى الهيئة العليا للحزب والمنفذة لقراراته «الديوان السياسي»، ولها في الفترة بين المؤتمرات جميع النفوذ الذي للمؤتمر نفسه بشرط أن تقدم جميع أعمالها لأول مؤتمر ينعقد بعد تلك الأعمال ليصادق عليها أو ينكرها، وهو يتحمل مسئولية جميع أعمال الحزب ومسئولية تسيير الحركة القومية كلها، كما يتحمل مسئولية النضال وتهيئة أسبابه. ولقد أصبح الديوان السياسي أكبر سلطة في البلاد التونسية، وأصبحت كلمته نافذة في الشعب بأسره بمثابة الدماغ المسير وما يصدر عنه من قرارات وتصريحات لا يصطبغ بصبغة شخصية، بل يصدر عنه كمجموع، وهو يتركب من عشرة أعضاء، من بينهم رئيس الحزب الحبيب بورقيبة، والأمين العام صالح بن يوسف، وأمينان عامان مساعدان: الهادي نويرة وعلي البلهوان، ومدير المنجي سليم، ونائب المدير الهادي شاكر، والأعضاء: جلولي فارس ويوسف الرويسي (بدمشق)، وقد مات الدكتور ثامر شهيدا بكراتشي، وقد فصل الدكتور ابن سليمان من الحزب، ويجتمع مرتين في الأسبوع على الأقل، ولكن اجتماعاته في الحقيقة كادت تكون يومية، ويمتاز عمله بالاستمرار في خطة واحدة وبرنامج عام طيلة أعوام متوالية، كما يمتاز بالتكتم التام في نواياه، ولا تظهر مقرراته إلا عند التنفيذ، فينفذها إذ ذاك بسرعة خاطفة تضع المستعمر أمام الأمر المقضي، وتأخذه على حين غرة، وبفضل تكتل القوات الشعبية حوله وفهمها لمناوراته، كان دائما يملك زمام المبادرة في الأعمال، فيفسد مناورات السلطات الاستعمارية ولا يدخل الشعب في معارك جزئية أو كلية، عندما يسعى لها المستعمر، بل عندما يرى أن الظروف تساعد تونس. (4-4) المجلس الملي
ولجانب الديوان السياسي توجد هيئة يستشيرها في الأزمات ويعتمد عليها في تنفيذ المقررات السريعة، وهي تقوم مقام المؤتمر بعد انفضاضه، وتلك الهيئة هي المجلس الملي المكون من رؤساء الجامعات ومن أعضاء ينتخبهم المؤتمر، ومن حق الديوان السياسي حضور جلساته. (4-5) مدارس الحزب
كون الحزب شبه مدارس تابعة للشعب والجامعات، وانتدب لها من بين الدستوريين من يلقي المحاضرات في النظم السياسية وتاريخ الحركات القومية في مختلف الأقطار وفي مبادئ الحزب وطرق دعايته وكفاحه ليكون فيها دعاة مقتدرون، وأسس بتونس مدرسة عليا للدعاة الممتازين يتلقون فيها الدروس بانتظام ويمتحنون في موادها، ولكن أعظم مدرسة لتكوين الرجال القادرين على خوض معركة الحياة الذين تم إعدادهم لتنظيم جميع الميادين من سياسة وثقافة واقتصاد واجتماع؛ فلم يقتصروا على معرفة النظريات بل يرونها كلاما أجوف ما لم تكن مقرونة بالتطبيق، هي العمل الحزبي المستمر الذي يفرض على الدستوريين فرضا للقيام بمنشآت الشعب المتنوعة والذي يكونهم تكوينا في الكفاح والنضال. (4-6) مكاتب الحزب في الخارج
ولم يقتصر عمل الحزب على داخل المملكة التونسية، بل رأى أنه لا بد من تعزيز الكفاح الداخلي بعمل خارجي يتسع نطاقه شيئا فشيئا، حتى يمتد وينتشر في غالب القارات لتكوين أنصار لتونس وجلب عطف الحكومات والشعوب والتعريف بالقضية الوطنية وبالأساليب الاستعمارية الفرنسية، فكون لهذا الغرض مكاتب متعددة وجعل من مكتب القاهرة مركزا لها ونقطة اتصال دائم، وأحدث مكتبا بنيويورك يقوم بالدعاية في الأوساط الأمريكية المختلفة، ويسهر على سير القضية أمام هيئة الأمم المتحدة ولدى وفود الحكومات. وله أيضا مكاتب بباريس ونيودلهي وكراتشي وستوكهلم، وهو يوسع عمله هذا يوما فيوما. (5) المنظمات القومية
تشعبت الحركة الوطنية بتونس بقدر انتشارها وتعمقها، وتعددت حاجياتها بتعدد الميادين التي تكافح فيها لرد الهجمات الاستعمارية والسيطرة الأجنبية وتوغل الفرنسيين في منظمات الدولة والاقتصاد من زراعة وتجارة ومناجم وبنوك وفي التعليم والثقافة، لتفكيك جميع الروابط القومية والقضاء على معنويات الشعب وثروته. فرأى الحزب وجوب تقسيم الأعمال في الكفاح ليختص كل جماعة من الوطنيين بالنضال في ميدانهم، مع السير طبق توجيه الحركة الوطنية، فكان الميدان السياسي مختصا بالحزب نفسه لتحقيق الأهداف الوطنية العليا.
Bog aan la aqoon