148

Tuunis Thaira

تونس الثائرة

Noocyada

وقررت الوطنيات التونسيات الاعتكاف بجامع الزيتونة ابتهالا إلى الله واحتجاجا على عمليات القمع وتقوية لروح الجهاد، وشرعن في الاجتماع بالمسجد يوم 21 فبراير حتى غص بهن على اتساعه، واكتظت رحاب الجامع الأعظم بجمع التونسيات، وبدأن في الصوم وعلى رأسهن بعض الأميرات. وحاصرت الجيوش الفرنسية الجامع، وفي اليوم الثاني من الصوم والاعتكاف قامت بعض النسوة خطيبات على المنبر معلنات عن إرادتهن في أخذ قسط وافر من الجهاد لجانب الرجال. وكان لكلام الأميرة فاطمة أعظم الوقع، وهي حفيدة الملك الشهيد محمد المنصف، وجاء بعض مشايخ الزيتونة وخاصة الشيخ المختار بن محمود الذي حرض المؤمنات على الصبر والثبات.

وقد اجتمعت الهيئة التدريسية الزيتونية صباح يوم الأحد التاسع من شهر مارس إثر الاعتداءات المتكررة على الأمة التي تناولت هيئاتها جميعا، ومن بينها شيوخ التدريس وموظفو إدارة المدارس والتلاميذ، وإنه لا يمر يوم إلا وفوج من الزيتونة يساق إلى المحتشدات أو السجون؛ حيث يلاقون الشدائد من رجال البوليس، مما لم يبق معه منزع إلى الصبر، فاجتمعت الهيئة التدريسية للاحتجاج ضد هذه الاعتداءات المقصود منها التنكيل، والفت في عضد الأمة التي آلت على نفسها أن تكافح إلى النهاية في سبيل الوصول إلى مطامعها الحيوية.

وقد رأى شعب تونس أن المقاطعة الاقتصادية من أنجع طرق الكفاح، فقررت الهيئات الوطنية منذ بداية الحوادث مقاطعة المغازات والمقاهي وقاعات السينما الفرنسية، ووزعت المنشورات تعلم الشعب بذلك وخاصة يوم 23 فبراير، ونجحت المقاطعة نجاحا كبيرا؛ إذ صار التونسيون لا يقصدون تلك المحال التي أصبح أصحابها يقاسون أشد الأزمات، وعجز الكثير منهم على خلاص مصاريفه آخر الشهر، وإذا بالمقاهي التي كانت تغص بالتونسيين قد باتت خاوية منهم، وكذلك قاعات السينما؛ فهي لا عمل حقيقي فيها إلا يوم السبت والأحد، أما بقية الأسبوع فتكاد تكون فارغة ولا تحتوي إلا على أقلية من المتفرجين لا تذكر.

وقد كان هذا السلاح الجديد قوي المفعول، فأحس أصحاب المحال بالخطر، وحاولوا جلب المشترين والزبون بكل الوسائل، وخفضوا أسعارهم تخفيضا كبيرا من غير جدوى، وامتنعت المعامل والمصانع بفرنسا من إرسال البضائع إلا إذا دفعت أثمانها سلفا، ورفضت الشركات الاحتياطية القروض ولم تعترف بضياع السلع أثناء الحوادث السياسية.

واضطرب المستعمرون الفرنسيون وارتبكت حالتهم، فباع بعضهم ضياعهم ومزارعهم وخيم على أكثرهم كابوس من الخوف على أرزاقهم ومحصول حقولهم. وكان الخوف كل الخوف من اليد العاملة التونسية، ومن أعمال التخريب والإتلاف، فكلهم يشعر أن شرارة كافية لحرق مزرعة كاملة.

ولما قوي ذلك الشعور في الجالية الفرنسية حرر البعض منهم اللوائح والمذكرات ، واحتجوا فيها على الحكومة الفرنسية، وطالبوا بحل المشكلة التونسية لترجع حياتهم إلى معتادها. وقد علق أحد التونسيين على ذلك فقال: «ولكن الحكومة الفرنسية لم تستفد من تلك النداءات؛ لأنها بلغت من الفوضى والاضمحلال درجة لا تمكنها من الشجاعة الكافية للخروج من المأزق وإيجاد حل للمشكلة، وإن ذلك يجبرنا - نحن التونسيين - على طلب حل مرض لمشكلتنا بوسائلنا الخاصة الداخلية والخارجية.»

وكان أحد الخونة قد أنزل المصائب على قسم من الوطنيين، ودل السلطات الفرنسية على عورة المكافحين، وهو سليمان بن حمودة، خليفة بلدة القطار في ضواحي مدينة قفصة، فقتل ببلدة القطار نفسها يوم 14 فبراير 1952، وهو أول خائن يعدم، فعند خروجه من مكتبه وبينما كان بصدد الركوب في سيارته، اقترب منه تونسيان وأخرج أحدهما مسدسا من تحت جبته وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا، ولاذا بالفرار وهما يطلقان العيارات النارية؛ لكي يبتعد الناس ويختبئوا بالمقاهي، فيوسعون لهما الطريق.

ومما يدل على سمو الشعور الوطني عند الفدائيين، ما وقع بجهة قفصة يوم 12 فبراير؛ فقد خرج اثنان من الجندرمة الفرنسيين ومعهما زوجة أحدهما وطفل في سيارة «جيب» من مدينة قفصة قاصدين بلدة «أم العرايس»، وفي مضيق (السطح) كمن لهم الفدائيون وقتلوا الجندرمين، ولم يعتدوا على المرأة، بل لم يمسوا المرأة ولا الولد بأي سوء، وسمحوا لها وللولد بالعودة إلى قفصة سالمين، فضربوا مثلا عاليا في الشرف والإنسانية، بينما اعتدى الجنود الفرنسيون على الأعراض وهتكوا الحرمات ونهبوا الناس في قرى الدخلة والساحل. وقد اعترفت الصحف الفرنسية بذلك، فكتبت جريدة «الفيجارو» الفرنسية بتاريخ 14 فبراير قالت: «قتل اثنان من الجندرمة بطريق «أم العرايس» في مضيق بين الجبال وهما يستقلان سيارة خفيفة ويخفران فيها زوجة جندرمي وابنها، ولم تمس المرأة بسوء، وهما «كوني»

Cauny

من ضباط الصف، والجندرمي كودر

Bog aan la aqoon