ولما بلغت تلك الحوادث كلها إلى رئيس البعثة الوزارية لدى هيئة الأمم، أفضى بالتصريح التالي للصحافة في 19 / 1 / 1952:
بلغني في هذا الصباح أن السلطات الفرنسية اعتقلت الأستاذ الحبيب بورقيبة، والأستاذ المنجي سليم، وعددا من النواب الدستوريين الذين أتوا مدينة تونس للمشاركة في مؤتمر الحزب.
وقد ازدحمت بتونس اليوم قوات فرنسية مسلحة خارقة للعادة، واحتلت المدينة عسكريا، وضبطت حركة المرور ضبطا شديدا، وقطعت مدينة حمام الأنف حيث يوجد قصر جلالة الباي عن بقية المملكة، وطوقت القصر نفسه ...
أما تأثير هذه الإجراءات على حزبنا، فلا يمكن أن تشغل بالنا؛ إذ تكررت التجربة مرات في محاولة للقضاء على حركتنا القومية بطرق الاضطهاد والعنف، وخرج منها كفاحنا الوطني أقوى وأشد في سبيل تحرير بلادنا، وقد أصبح ذلك الهدف إيمانا عم الشعب التونسي بأسره.
وإنا لواثقون الوثوق التام في مصير وطننا وفي الطريق الذي اخترناه لتحقيق رغائبه القومية، فإن التجاءنا إلى هيئة الأمم المتحدة وسيلة يؤيدها العالم بأسره.
وإن كان أنصار سياسة السوء بتونس المتمثلون في قادة قسم من الجالية الفرنسية يؤملون من وراء سياسة يملونها إملاء، ويفرضونها على حكومتهم في القضاء على تيار الشعب التونسي الجارف واندفاعه نحو أعلى مصير؛ فإنهم سيرون رأي العين - بعد فوات الأوان - أن عملهم سيضر بمصالح فرنسا وبمصالحهم أيضا بتونس.
وشرع كثير من الدول والشعوب تؤيد تونس وتشهر بالعدوان الفرنسي، فقد نشرت جريدة «مساجيرو دي روما» الإيطالية - وهي جريدة «دي جاسبيري» رئيس الحكومة ولسانه - مقالا بتاريخ 14 يناير 1952 جاء فيه:
لو أجلى الفرنسيون اليوم قواتهم عن تونس كلها أو جزئيا فلا شك في أن بنزرت لن تخلى، ولكنها تجذب أنظار الإنجليز والأمريكان الذين يفتشون بلهفة عن قواعد حربية في البحر الأبيض المتوسط، بحيث يشهد بالبراعة للوطنيين التونسيين؛ إذ تمكنوا من جلب الاهتمام الأنجلو أمريكي المزدوج بقضيتهم القومية، بأن وعدوهم باستخدام الاستحكامات القوية الموجودة ببنزرت ...
وإن التقاليد الحرة الإيطالية والعلاقات الطيبة في حسن الجوار بين الإيطاليين والأهالي، يوعز لنا أن ننظر بعطف إلى رغائب التونسيين مع إبداء النصح لهم بالحذر والاعتدال والثقة في تعقل حكومة باريس، وفي التطور للساعة التاريخية الراهنة.
وثارت ثائرة الفرنسيين الأحرار أنفسهم، فعقدوا الاجتماعات وقاموا بحملات صحفية مستمرة لفائدة شعب تونس، نقتطف مما نشر في ذلك الصدد مقالا افتتاحيا نشرته مجلة «العصور الحديثة»
Bog aan la aqoon