ورغبة في العمل فورا على إزالة العقبات التي تحول دون استئناف المحادثات التي توقفت بالرغم من إرادة فرنسا، ترى الحكومة الفرنسية أنه عليها أن تطلب في إلحاح الرد على هذه المذكرة في أقرب وقت، وأن الحكومة الفرنسية ستجد نفسها مضطرة - إذا لم تتلق الرد سريعا - إلى إطلاع الرأي العام على أنها ليست مسئولة عما يترتب على عدم استئناف المحادثات من نتائج خطيرة.
فأجاب جلالة الملك بمذكرة فند فيها أقوال الحكومة الفرنسية بإيضاح، وصرح بتضامنه الكامل مع شعبه الجريح:
رد جلالة الباي بتاريخ 5 فبراير 1952
اطلع جلالة الباي على المذكرة الفرنسية التي بعث بها إلى جلالته المقيم العام الفرنسي في تونس يوم 30 يناير، وقد سجل جلالته الرغبة التي أعرب عنها رئيس الحكومة الفرنسية لإزالة سوء التفاهم الذي نجم عن المذكرة الفرنسية المؤرخة في 15 ديسمبر من العام الماضي، والتي أدت إلى قطع المفاوضات بين تونس وفرنسا، وإن جلالته إذ يسجل ذلك يلاحظ أنه قد اقتصر على الإشارة إلى التصريح الذي أفضى به المسيو روبير شومان وزير الخارجية أمام مجلس الجمهورية في 20 ديسمبر سنة 1951، دون أن يذكر ما يبدد كل شك فيما يتعلق بعدم التوافق بين اشتراك الفرنسيين في تونس في الشئون السياسية للبلاد وبين المبدأ الخاص بوحدة السيادة التي يهمنا توكيدها.
ولا حاجة إلى القول بأنه ستتخذ - صونا لهذه السيادة على أكمل وجه - التدابير الكفيلة بحفظ المصالح العليا لفرنسا ومصالح الرعايا الفرنسيين في تونس.
أما فيما يتعلق بالنقط الأخرى التي أشارت إليها المذكرة سالفة الذكر، والتي لم تخرج عن أنها كررت المطالب التي جاءت في مذكرة سابقة؛ فقد جاء الرد عليها في خطاب أرسل بتاريخ 17 يناير ويحسن الرجوع إليه.
ولقد تأثر جلالة الباي تأثرا عميقا لأعمال القمع الصارمة التي تجري الآن، والتي ألحقت أضرارا خطيرة بسلامة أفراد الشعب وممتلكاتهم، كما أدت إلى المساس بسيادة الدولة، وقد أحاطت الحكومة التونسية المقيم العام الفرنسي علما ببعض هذه المخالفات.
وإن جلالة الباي الذي يهتم قدر اهتمام الحكومة الفرنسية بالمحافظة على الأمن والنظام، لا يسعه إلا أن يسجل أن الحالة لا تتطلب الإسراف في استخدام هذه القوات الكبيرة.
ويخلص مما تقدم أنه لكي تستأنف المفاوضات في حرية وعلى وجه مثمر كما يرجو جلالة الباي والحكومة الفرنسية، على الحكومة الفرنسية أن تحدد موقفها بوضوح إزاء المبادئ التي يجب أن تتخذ قاعدة لتنظيم الإدارة التنفيذية والهيئة التشريعية في تونس، على صورة تحقق الحكم الذاتي السليم وتهيئ جوا مشبعا بالثقة التي لا يمكن توفيرها إلا بإنهاء حالة الطوارئ والنظام الشاذ الذي فرض على تونس منذ بضعة أسابيع.
وكان موقف المقيم في ذلك الحين عجيبا غريبا مدعاة للضحك؛ إذ أصبح جلالة الملك يرفض كل اتصال مباشر معه ويحيله على وزيره الأول، والمقيم من جهته يرفض مقابلة الوزير الأول التونسي بدعوى أنه غير مخلص لفرنسا، وقد طلب من الملك مرارا إقالته، وكل مرة يجدد الملك ثقته فيه. وإذا بالمقيم يلجأ إلى خرق المعاهدات ويثير اهتماما كبيرا في الأوساط التونسية والفرنسية، فيتصل مباشرة بولي العهد عز الدين باي ليهيئ خلع محمد الأمين بعد أن هدده تهديدات متوالية، ويتآمر مع الصحافة الاستعمارية لنشر تلك التهديدات الصريحة.
Bog aan la aqoon