وتومض الكلمة المناسبة في ذهن خيري فيقول: نجاحي، إذا نجحت ... - تشتري لك سيارة.
ويضحك خيري قائلا: لا، لن تشتري لي شيئا. - إذن ... - إذن ستقدم لي أعظم أمل في حياتي. - ماذا؟ ما هو هذا الأمل؟ - قولي. - يا أخي أنا أسلم بغبائي، قل لي، ماذا قالت لك؟
وتعود اللعثمة إلى خيري عاجزا كل العجز أن يكمل، راغبا في إنبائها رغبة تأخذ عليه مشاعره، وبين العجز والخجل والرغبة يرتبك خيري وتكاد تدرك وفية، ويجمع خيري بعض شجاعته ليقول ثالثة في حيرة وارتباك: وفية هل ... وفية ...
وقبل أن يكتمل الكلام ليكون شيئا مفيدا يرتفع صوت الخادم معلنا قدوم سميرة هانم، وتقوم وفية قائلة: عمتي.
وتنزل السلم لتستقبلها، ويظل خيري في مكانه ينتظر أمه حائرا لا يزال، لا يدري أيفرح أن طالت بهما الجلسة بعض الشيء فاستطاع أن يومض بما في نفسه ومضا لا يكاد يبدد ظلاما، أم يلوم نفسه هذه الخجلى دائما والمترددة العاجزة التي لا تستطيع أن تترك لسانه وشأنه ليقول مرة - ولو واحدة - ما لا بد أن يقال.
وتصعد أمه وهو في حيرته لا يزال، وقبل أن تقول أمه شيئا يسارع هو قائلا: أتسمحين لي بالسيارة أصل بها إلى البيت وأعيدها؟
وتقول الأم: ولماذا لا تنتظر حتى نذهب معا؟ - أريد أن أذاكر.
وتبتسم الأم، فقد أصبح للمذاكرة أسباب قوية تصل إلى أعماق الفؤاد وهي تدري، ومن خلال ابتسامتها تسمح له بالسيارة.
وفي الطريق يعود خيري إلى تفكيره، ترى أفهمت وفية أي وعد بذلته أمه إن هو نجح، لقد فهمت، وإلا فما هذه الغلالة الوردية الرقيقة التي كست وجهها، ويريد أن يعود إلى لوم نفسه ثم ما يلبث أن يثوب، ماذا تراني كنت قائلا؟ أحبك؟! ألا تدري؟ إذن كنت أسألها أتحبينني؟! ألا أدري؟ وهل يرضى لي حيائي أو حياؤها أن أقول أو تقول، هو الحب ما بيننا يقوله الضياء الذي يحيط بنا إذا التقينا، واللهفة التي أحسها وتحسها إلى هذا اللقاء، كيف أقول؟ كيف تقول؟ أتراني أقبل أن تقول لي أحبك؟ لا، أم تراها تقبل أن تسمعها مني؟ إنما حبنا أعظم من أن تعبر عنه كلمة مهما تكن خالدة بعيدة الأصول في الزمان الماضي، باقية على كل زمن مستقبل. ولكن الهوى العذري بيننا، ولكن التقدير الذي أكنه لها، ولكنه التقاليد التي ربينا أنا وهي في ظلها، كل هذا يمنعها ويمنعني أن تقول أو أقول. ألا ما أجمل أن تجمعنا جملة واحدة، أنا وهي، اهدئي إذن يا نفسي، فهكذا أنت، وما كنت لأكلفك أمرا لم تتعوديه، إنها تعلم، ولم يبق إلا أن أذاكر، لا شيء إلا أن أذاكر، ألا ما أهون العقبة التي تقف بي دونها، وأفاق خيري من تأملاته على صوت السائق وهو يقول: خيري بك، خيري بك، سأتأخر عن الست. - ماذا؟ هل وصلنا؟ - منذ نصف ساعة. نحن هنا يا خيري بك من نصف ساعة.
ويبتسم خيري وينزل من السيارة. الابتسامة تعلو شفتيه، وأفكار كثيرة كلها باسمة تدور في ذهنه، وفي قلبه.
Bog aan la aqoon