The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Daabacaha
دار الكلمة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Noocyada
الإنسانية التي لا تتحقق أبدًا إلا بالعبودية الخالصة لرب العالمين والانخلاع الكامل عن عبودية المخلوقين.
ومعنى هذا ومقتضاه أن تلك الإمبراطوريات، وتلك المعتقدات، وتلك الأوضاع، والتقاليد، وتلك الأنظمة والقوانين، وتلك الفلسفات والثقافات، سوف تجتث من جذورها وتستأصل من عروقها، سواء في واقع الأرض أو في واقع النفوس، وأن ما زوى الله لحبيبه محمد من الأرض (١) سوف يتطهر من هذه الأرجاس والأديان ويستضيء بنور الهدى والفرقان.
ومعنى هذا أن تلك الجيوش الإمبراطورية الجرارة التي عجز بعضها عن سحق بعض، لا بد أن يظهر مقابلها جيش إيماني يسحقها جميعًا.
ومن معناه كذلك أن نفوس الملايين من البشر الذين توارثوا تلك الضلالات والخرافات، وأشربوا في قلوبهم آثارها المدمرة، لابد لها من تزكية ربانية تحرق الشبهات، وتحطم الشهوات، وتستأصل الأمراض المتغلغلة، والضغائن المتأصلة، والالتواءات النفسية العميقة.
وهذا عمل ضخم هائل، لا يدرك حقيقة ضخامته إلا من أدرك ضخامة هذا الواقع الأرضي الثقيل الطاغي في مقابل رجل واحد، ثم قاس ذلك بمعاناة الأنبياء السابقين صلوات الله وسلامه عليهم مع أممهم.
فهذا نوح ﵇ يدعوا قومه ألف سنه إلا خمسين عامًا بنص القرآن، ثم لا يؤمن معه إلا قليل بنص القرآن أيضًا، وهذا القليل - مع اختلاف الأقوال في تحديده - لم ينقل أنه زاد عن مائة نفس (٢) .
وكثير من الرسل بعده كانوا كذلك، بل كان منهم من لم يتبعه إلا الرجل والرجلان، ومنهم من لم يتبعه أحد (٣) .
وهذا وهم إنما بعثوا إلى أقوامهم خاصة، فكيف بمن بعث للثقلين عامة وأمر بمجاهدة الدنيا قاطبة، كما ورد في الحديث الجامع العظيم الذي رواه عياض ابن حمار رضى الله عنه، ومنه: "وأن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل
_________
(١) حديث: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها": مسلم رقم (٢٨٨٩) .
(٢) انظر: ابن كثير (٤/٢٥٥) .
(٣) كما في حديث: "عرضت على الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد.." مسلم رقم (٣٧٤) .
1 / 30