وأصبح مناظرًا من الطراز الأول، فيجادل أهل العراق لإلمامه بالقرآن والسنة وبلاغتهما، ويناظر أهل الحجاز لإدراكه الحِكَم الشرعية والعلل القياسية، ولم يناظر أحدًا إلا وظهر عليه (١)، وكان يستفيد من موسم الحج في أثناء إقامته في مكة وقدومه عليها، ليجتمع مع كبار العلماء المسلمين في العقيدة والحديث والفقه واللغة، فيأخذ منهم، ويأخذون منه، ويجادلهم ويناظرهم، فاجتمع فيه رجاحة العقل، وسعة الاطلاع، وفصاحة اللسان، وقوة البيان، ورصانة الأسلوب، وصدق فيه حديث رسول الله ﷺ: "قَدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها، وتعلموا منها ولا تعالموها" (٢)، ويضاف إلى ذلك التقوى والورع، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] (٣).
قال الإمام أحمد بن حنبل ﵀: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (٤).
هذه الصفات والخصائص السابقة التي امتاز بها الإمام الشافعي ﵀، مع ما فطره الله تعالى عليه من رصانة العقل، وقوة الحفظ، وجودة الذاكرة، وصفاء القريحة، وشدة الذكاء، جعلته مؤهلًا لكتابة