وفي صدر هذا الكتاب "هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ"، وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام، فحينئذ ظهر جليًا أن ذكر الشاة لتعيين مالية الواجب، وأعلامه أن الواجب صورة الشاة، فعلم أن هذا استنباط للمناط بالنص.
فقال الشافعية: هذا تأويل بعيد لا يقبل، قلنا: ليس بتأويل أصلًا، فإن الشاة باقية على معناها وذكرها، لأنها معيار معرفة الواجب.
ومن تأمل فيما قلنا علم اندفاع ما يرد أيضًا أنه أبقى لفظ الشاة على معناها فهو الواجب، ولا تجزئ القيمة، وإن أريد به القيمة فهو تأويل، لأنا نقول: نعم إنه تأويل، بل دليل، وهو ما ذكرناه، فليس بعيدًا ولا يلزم منه عدم إجزاء القيمة لما قلناه١.
وأما عن الثاني: فقد أجابوا عنه بأن الطعام المنهي عن بيعه متفاضلًا يختص بالكثير دون القليل الذي لا يكال، لأنه ﵊ استثنى الحال بقوله "إلا سواء بسواء" فكان المراد منه حال التساوي في الكيل، والمذكور في صدر الكلام، وهو الطعام عين، واستثناء الحال من العين لا يستقيم، إذ الأصل في الاستثناء الاتصال، فدل على أنه مستثنى من أحوال المبيع التي هي: التساوي، والتفاضل، والمجازفة، والتسوية لا تتصور إلا في الكثير، فكان آخر الحديث دليلًا على أنه أوله لما يتناول القليل الذي لا يكال، فصار التغيير بدلالة النص مصاحبًا للتعليل، لا بالتعليل٢.
ويدل على أن الحنفية لا يخالفون في لزوم هذا الشرط تمثيلهم بما أوردوه على الشافعية في تعليلهم النص الدال على السلم بدفع الحرج لإحضار السلعة محل البيع ونحوه، فإن نص السلم مخصص لحديث "لا تبع ما ليس عندك" ٣.
١ انظر: سلم الوصول على نهاية السول ٤/٣٠٢ - ٣٠٣.
٢ انظر: شرح المنار لابن ملك وحاشية الرهاوي عليه ص ٧٧٧ فما بعدها، وكشف الأسرار ٣/٣٣٤.
٣ أخرجه مسلم بلفظ "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه"، قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله" ٥/٧ ط محمد علي صبيح - مصر.