حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
ولم يذكر لكن فى المخادعة لأنه لم يتقدم عليها ما يتوهم منه الشعور.
[2.13]
{ وإذا قيل } أى قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض أصحابه { لهم آمنوا } بما يقول النبي صلى الله عليه وسلم { كما ءامن الناس } المعهودون الكاملون، أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، ومن آمن به، ولم يحضره بعد إيمانه، وهو من التابعين لا من الصحابة ولو كان فى عصره { قالوا } فيما بينهم، أو بحضرة من أمرهم بالإيمان، بحيث يجدون السبيل إلى إنكار القول، أو عند المؤمنين بحيث لا يسمعون، قيل، أو عند من لم يفش سرهم من المؤمنين لقرابة أو مصلحة، وهو قول ضعيف، والأصل أن المؤمن لا يستر عليهم وعلى كل كشفهم الله عز وجل، ولو جهروا مطلقا لم يسمعوا منافقين { أنؤمن } توبيخ لمن أمرهم بالإيمان ولو غاب، أو إنكارا لأن يكون الإيمان حقا يؤمر به { كما ءامن السفهاء } الصحابة، ومن آمن ولو لم يكن صحابيا، نسبوا من آمن إلى السفه، وهو الجهل ووضع الشىء فى غير وجهه، ويطلق على نقصان العقل والرأى، أو أرادوا من يحتقر من المسلمين لفقره، أو ضعفه، أو عبوديته كصهيب وبلال، وأكثر المسلمين فقراء، أو أرادوا بالسفه مطلق الخمسة بالجهل أو الفقر أو غيره، والحاصل، أنهم قالوا، لا نفعل فعل السفهاء وهو الإيمان، وذكر الله عز وجل نهى الناهى لهم عن الفساد، ثم أمر الآمر لهم بالإيمان، لأن التخلى قبل التحلى { ألا إنهم هم السفهاء } الجهلاء المحتقرون لكفرهم، رد عليهم بأن السفه بالكفر ومساوىء الأخلاق لا بالفقر، فلا يلزم أن يكون هذا معينا للتفسير الأول فى السفهاء { ولكن لا يعلمون } من السفيه وما السفه، ذكر هنا العلم، وهنالك الشعور، لأن الإفساد يدرك بأدنى تأمل بخلاف السفه والأمر بالإيمان، وأيضا السفه خفة العقل والجهل بالأمور، فناسب نفى العلم أتم مناسبة.
[2.14]
{ وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا } أى ذكروا ما يفيد أنهم آمنوا، وسائر الأقوال والأفعال، وذلك أن الإيمان قد علم منهم فى الظاهر قبل ذلك، وذلك دفع للمؤمنين عن أنفسهم واستهزاء، ولا يتكرر مع ما مر؛ لأنه إبداء لخبثهم وخوفهم، وادعاء أنهم أخلصوا الإيمان، ولأنه بيان لكونهم يقولون ذلك خداعا واستهزاء، وأنهم يقولون ذلك عند الحاجة إليه فقط، وذلك عند لقاء المؤمنين { وإذا خلوا } عن المؤمنين راجعين { إلى شيطينهم } أو خلوا مع شياطينهم، يقال، خلوت إليه، أى معه، وشياطينهم رؤساؤهم، كعب بن الأشرف من اليهود فى المدينة، وأبو بردة فى أسلم، وعبد الدار فى جهينة، وعوف بن عامر فى أسد، وعبدالله بن الأسود فى الشام، وغيرهم ممن يخافونه، من كبار المشركين والمنافقين، سماهم شياطين تشبيها لمزيد فسادهن وإغوائهم، وذكر بعض أن هؤلاء المذكورين كهنة، وقيل: الشيطان حقيقة فى كل متمرد من الجن أو من الإنس وليس المراد الكهنة خلافا للضحاك، ولو كان مع كل كاهن شيطان، لأنهم أهون من أن يتملقوا إليهم، بقولهم، إنا معكم، كما قال الله عنهم { قالوا إنا معكم } فى الدين اليهودى، إن أريد بشياطينهم اليهود، وإن أريد به مشركو العرب فالمراد فى الإشراك { إنما نحن مستهزءون } بالمؤمنين فى قولنا، آمنا، لا مؤمنون حقيقة، بل قلنا ذلك لنكف عن أنفسنا القتل والشر والسبى وبحلب الخير، كالأخذ من الصدقة والغنيمة، مع الاحتقار والتهكم بهم، ولا تظنوا أننا تبعناهم، والاستهزاء بمعنى الهزء، كاستعجاب بمعنى العجب، وهو الاستخفاف والسخرية، وأصله الخفة، يقال هزأت به الناقة أسرعت به.
روى أن أبى بن عبدالله وأصحابه جاءهم نفر من الصحابة لينصحوهم، فقال لقومه، انظروا، كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبى بكر الصديق، فقال، مرحبا بالصديق وشيخ الإسلام، ثم أخذ بيد عمر، وقال مرحبا بالفاروق القوى فى دينه، ثم أخذ بيد على، وقال: مرحبا بابن عم رسول الله، وسيد بنى هاشم، فقال له: يا عبدالله، اتق الله ولا تنافق، فقال له: مهلا. يا أبا الحسن؛ إنى لا أقول هذا والله، إلا أن إيماننا كإيمانكم، ثم انترقوا، وقال لأصحابه، كيف رأيتمونى فعل فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت، فأثنو عليه، وقالوا: لا نزال بخير ما دمت فينا.
وأخبر المسلمون النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت الآية، وليس ذلك عين سبب النزول، بل مناسبة؛ لأن أبيا قال لأصحابه، انظرواكيف أفعل، والجملة مستأنفة فى كلامهم بلا تقدير سؤال هكذا، ما لكم توافقون المؤمنين، لقول عبدالقاهر موضوع إنما أن تجىء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته، إلا أنه قد يصور السؤال فى صورة لا تحتاج إليه فيجوز التقدير المذكور، وقد لا نسلم قول عبدالقاهر إذا ادعى أنه ذلك أصل إنما، وأن مدخلوها معلوم، وحىء بها لإفادة الحصر، وليس كذلك أيضا، فإنك تقول: إنما قام زيد لمن لا شعور له بقيامه وحده، ولا مع غيره، ولا بقيام غيره دونه.
[2.15]
{ الله يستهزئ بهم } يجازيهم على استهزائهم مرة بعد أخرى، فإن نكاية الله فيهم متعددة فى الدنيا، ولا تنقطع فى الأخرة فذلك استعارة تبعية، أو مجاز مرسل، لأن بين الفعل وجزأيه مشابهة فى القدر، ونوع تسبب مع وجود المشاكلة أو يراد إنزال الحقارة من إطلاق السبب على المسبب، ومن الاستهزاء بهم فى الآخرة، أنه يفتح باب إلى الجنة فيجىء فى قربه، حتى إذا وصله أغلق، أو يكرر ذلك حتى يفتح له، ولا يجئه كما ورد فى الحديث { ويمدهم } بطيل أعمارهم، أو يزيدهم طغيانا { في طغينهم } مجاوزتهم الحد بالكفر { يعمهون } يترددون، هل يبقون عليه أو يتركونه، أو هل يعكفون فيه ويلازمونه.
Bog aan la aqoon