[الفتح: 10]
من يطع الرسول فقد أطاع الله
[النساء: 80] والحاصل أن لفظ المفاعلة مبالغة، ويجوز إبقاؤها على معناها مجازا، وذلك، أنهم أظهروا الإيمان، وهم كافرون، والله عز وجل أجرى عليهم أحكام المؤمنين، وهم عنده غير مؤمنين، ولهم عنده الدرك الأسفل من النار، وإجراء المؤمنين تلك الأحكام تشبه صورة المكر بهم، إذ ليس لهم ما لمن تحقق إيمانه فى الآخرة، وذلك استعارة تمثيلية فى الكلام، أو مفردة تبعية فى يخادعون، والله عز وجل لا يكون خادعا إذ لا يخاف أحدا، ولا ينقض فعله أحد إذا أجهره، ولا مخدوعا، لأنه لا يخفى عليه شىء، ولا يناله مكروه، ولاينتفع بشىء، وإذا قدرنا يخادعون نبى الله الله تقدير معنى ففيه إيقاع الفعل على غير ما يوقع عليه للملابسة بينهما، وهى الخلافة، فذلك مجاز عقلى فى النسبة الإيقاعية لا الوقوعية { وما يخدعون إلا أنفسهم } ما يعاملون بمضرة الخداع إلا أنفسهم؛ وهى الافتضاح بإخبار الله، سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما أحفوه، والعقاب فى الآخرة { وما يشعرون } لا يعلمون أن وبال العقاب راجع إليهم، إنما فسرت يخادع بيخدع لأن الله والمؤمنين لا يخدعونهم.
[2.10]
{ في قلوبهم مرض } كفر بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وعداوته وعداوة المؤمنين، وسره الاعتقاد والجهل، وذلك شبيه بمرض الجسم فى الإيصال إلى مطلق الضر، فإن المضر موجع وقاتل ومانع من التصرف فى المصالح، وما فى قلوبهم مؤد إلى النار مانع من التصرف بأعمال الإسلام، أو يشبه تألم قلوبهم بقوة الإسلام وانتظام أمره بتألمهم بمرض البدن، فسمى التألم مرضا، وحقيقة المرض حالة خارجة من الطبع ضارة بالفعل لا بالقوة خاصة، والقرينة المشروطة فى المجاز تمنع الحقيقة، ولا يلزم أن تمنع احتمال مجاز آخر. فلك حمل الآية علىهذا التألم، وعلى ما ذكرت قبل { فزادهم } بسبب ذلك المرض { الله مرضا } بما أنزل من القرآن بعد ما كفروا بما أنزل منه قبل، والله يجازى المذنب بالإيقاع فى ذنب آخر، كما يجازى المطبع بالتوفيق إلى طاعة أخرى، وكلما نزلت آية أو وحى كفروا به، لأنه طبع على قلوبهم، وذلك زيادة مرض { ولهم عذاب أليم } موجع بفتح الجيم والموجع بفتحها حقيقة هم لا العذاب، لكن أكد شدة العذاب حتى كأنه معذب بفتح الذال، وهذا بليغ، ولا بلاغة فى قولك عذاب موجع، بكسر الجيم، فأليم فعميل بمعنى مفعل بضم الميم وفتح العين، ولك إبقاؤه على ظاهره، أى متوجع بكسر الجيم، ففيه البلاغة { بما كانوا يكذبون } أى بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وما مصدرية، وجرت عادتهم بالاكتفاء بالمصدر من خبر كان الذى بعدها، والأصل أن يقال بكونهم يكذبون، ولا حاجة إلى قولك بالتكذيب الذى كانوا يكذبونه النبي صلى الله عليه وسلم، أو يتكذيب يكذبونه صلى الله عليه وسلم على أن ما اسم موصول، أو نكرة موصوفة، والهاء مفعول مطلق.
[2.11]
{ وإذا قيل لهم } المعنى، من الناس من يقول، آمنا بالله وباليوم الآخر وهو كاذب، ويقول، إنما نحن مصلحون إذا قيل لهم لا تفسدوا، ويقول، أنؤمن كما آمن السفهاء إذا قيل لهم آمنوا، ويقول للمؤمنين آمنا، ويقول لأصحابه، إنا كافرون { لا تفسدوا في الأرض } بالكفر وأعماله وأعماله والمعاصى، ويمنع الناس من التوحيد وأعماله، فإن الإسلام صلاح الأرض، والكفر فساد وليس من صفات الله ولا من أفعاله، فإذا أزال الله الثمار أو نور البصر أو نحو ذلك، فلا تقل أفسدها، والأرض أرض المدينة، أو جنس الأرض، وليست للاستغراق { قالوا إنما نحن مصلحون } للأرض من مكارم الأخلاق كالصدقة وقرى الضيف، وهذا جواب بالإعراض عما نهوا عنه من الكفر والمعاصى، والأولى أن يكون الجواب له، فيكون المعنى مصلحون الأرض بما نفعل من الكفر وأعماله، والمنع الجواب له: فيكون المعنى مصلحون الأرض بما نفعل من الكفر وأعماله، والمنع من التوحيد والإفساد هو ما عليه المؤمنون من التوحيد والدعاء إليه، والعمل بمقتضاه، وعطف الجملة على قلوبهم مرض، أو على كانوا يكذبون فينسحب عليها معنى الباء، والأصل فى التعليل أو السبية، فى غير مقام مجرد الإخبار، أن يكون بوصف معلوم عند المخاطب ولو بالالتزام، وهذه الشرطية غير معلومة الانتساب لكن لا مانع من التعليل أو التسبب بما ليس عنده إخبار بالواقع، وأنه أحق، ولو لم يعرف، وأنه كيف لا يعرف.
[2.12]
{ ألا إنهم هم المفسدون } انتبهوا أيها الناس قد تأكد أن هؤلاء مفسدون دون المؤمنين، فالحصر إضافى، وإن فسرنا الفساد بالنفاق كان حقيقيا، لأنه لا نفاق إلا فيهم بخلاف مطلق الفساد، فى غيرهم من المشركين أيضا. والوجهان فى أنهم هم السفهاء. { ولكن لا يشعرون } بأنهم المفسدون، أو بوبال كفرهم، أو لا شعور لهم ألبتة، هكذا، ولو استعملوا عقولهم لشعروا. ذكر هنا الشعور لأن الفساد يعرف بلا تأمل. والسفة يعرف بالتأمل، فذكر معه العلم كما قيل:
يقضى على المرء فى أيام محنته
Bog aan la aqoon