{ ووصى بهآ } بالملة، أى باتباعها لصراحة ذكرها، وأصل الإيصاء التقدم إلى أحد بخير، والوصل، يقال وصاه إذا وصله، وقصاه إذا قطعه وإظهار إبراهيم، مع أن عطف أوصى على ما قال له ربه يقتضى الضمير، أو بكلمة، أسلمت لرب العالمين، لقوله، وجعلها كلمة باقية، فإنه أنسب، ولا سيما إن رجعنا الضمير إلى قوله إنا برءاء منكم، بتأويل الكلمة، ولقربه، ولو كان فيه تأويل، وفيه، أنه لو رجع الضمير لكلمة أسلمت لقال أسلمت لرب العالمين، وأوصى بها بنيه ويعقوب { إبراهيم بنيه } ثمانية أو أربعة عشر، إسماعيل، وهو أولهم، وأمه هاجر، بفتح الجيم القبطية، وإسحق، وأمه سارة، وأم الباقين قنطوراء بنت يقطن الكنعانية، تزوجها بعد وفاة سارة: مدين ومدائن، وزمران، ولنشان، ولبشق، وشوخ، زاد بعض روم { ويعقوب } بنيه، كما أوصيا غير بينهما، أو خصهم للشفقة، ولأن صلاحهم صلاح لغيرهم، قال كل منهما لبنيه { يبني } الخ، أو قال إبراهيم، لأنه أشد عمدة، ولذكر بنيه، أو يحكى بأوصى، لأنه بمعنى قال، أو المقدر، ويعقوب، قال: يا بني { إن الله اصطفى لكم الدين } الكامل المعهود، دين الإسلام الذى جاء به إبراهيم { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } راسخون فيه، أى دوموا عليه حتى إذا جاءكم الموت وافاكم عليه متصفين به، وأما الموت نفسه فليس بأيديهم، وأولاد يعقوب: روبين، بضم الراء وكسر الباء الموحدة، بعدها مثناة فنون، ويروى باللام بدل النون. وشمعون بكسر الشين. وبشوخور، ولاوى، ويروى ليوى. ويهوذا، وزبولون بفتح الزاى. وزوانى بفتح الزاى والنون، ويروى تقتالى بفتح التاء واللام، ويروى نفتلى بفتح النون والتاء وكسر الللام، ويروى بتيون بدله. وإساخر بكسر الهمزة وشد السين وفتح الخاء، ويروى بالياء المثناة بدل الهمزة بذلك الضبط، وكاد، ويروى كوذى، ويروى بإهمال الدال. وأشر كناصر، ويروى أوشير. وبنيامين بكسر الباء، ويوسف، وأكبرهم سنا وربين، وأصغرهم سنا يوسف، وأكبرهم رأيا شمعون. وقيل يهوذا، أو النبوة فى أولاد لاوى، والملك فى أولاد يهوذا.
[2.133]
{ أم كنتم شهدآء } جمع شاهد كعالم وعلماء، أو شهيد ككريم وكرماء { إذ حضر يعقوب الموت } قالت اليهود، لعنهم الله، للنبى صلى الله عليه وسلم: ألم تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية، وما مات نبى إلا عليها، فنزل { أم كنتم شهداء } وعنوا باليهودية ملة موسى، وعنوا ألا تخالف فيما خالفها القرآن والإنجيل فيه، أو عنوا اليهودية المحدثة الباطلة، فكذبهم الله بأن يعقوب أوصاهم بدين الحق ولم تحضروا، ولو حضرتم فى زمانه لسمعتموه فى ذلك، وإنما اليهودية بعد موسى { إذ } بدل من إذ { قال لبنيه ما تعبدون من بعدى } من بعد موتى، أراد بما العموم، من يعلم ومن لا يعلم، ويبعد أن يكون المراد ما لا يعلم فقط، وأنه كمختبر لهم، وكانت المعبودات فى زمانه أصناما ونجوما وغير ذلك مما لا يعلم، فيقول لهم: أيها تعبدون، فأجابوا أن لا نعبدها، بل نعبدالله، كما قال { قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك } أى الله الذى هو معبودك، ومعبود آبائك { إبراهيم وإسمعيل } عده أبا ليعقوب تغليبا للأكثر، ولأنه عمه، والعم أب، كما فى الحديث، وأن العم صنو الأب، وأن العباس بقية آبائى، وقال: ردوا على، أى، وهو العباس حين بعثه لمكة ليدعوهم، لئلا يقتلوه، واحفظونى فى العباس فإنه بقية آبائى، وقدمه على إسحاق الأب الحقيقى تغليبا، ولكبر سنه، إذ زاد على أخيه إسحاق بأربع عشر سنة، ولأنه جد نبينا صلى الله عليه وسلم، ولو جعلنا إبراهيم بدلا من إله على حذف مضاف، أى إله إبراهيم لم نحتج لتأويل فى ذكر إسماعيل إلا أن فيه سوء أدب { وإسحق إلها وحدا } بدل من إلهك، أو نعنى إلها واحدا، تصريح بالتوحيد نفيا للتعدد المتوهم من قوله { إلهك وإله آبائك } فإن أغلبية كون العرفة المكررة عين الأولى لا تكون نصا، ولأنها فى غير العطف، أما فيه فكما هنا، فقد عارضها أغلبية أخرى، هى أن الأصل فى العطف التغاير، وقد تستفاد الوحدة من الهاء، فيكون قوله واحدا نقيا للتركيب والمشاركة فى الصفات { ونحن له مسلمون } مخلصون التوحيد، أو منقادون لأمره ونهيه.
[2.134]
{ تلك } أى هؤلاء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وبنوهم، وقال: تلك، لمعنى الجماعة، أو للخبر، وهو قوله { أمة } جماعة، سميت لأنها تؤم، أى تقصد، ويؤم بعضا بعضا، ويجمعهم أمر واحد، دين أو زمان أو مكان، هذا أصل الأمة، وقد يطلق على الملة، أو على الزمان، أو على المنفرد بشىء فى زمانه، وحمل بعضهم الآية عليه بمعنى، أن كل واحد من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أمة فى زمانه، فالإشارة إلى الأربعة على هذا، ولا يراد عما يعمل الأربعة من خير أو شر، إذ لا يعملون شرا اللهم إلا على سبيل الفرض للبرهان { قد خلت } مضت { لها } لا لغيرها { ما كسبت } أجر عملها { ولكم } لا لغيركم { ما كسبتم } ولهم أو لكم ما كسب لهم أو لكم، وحذف ذلك مثل أن يتصدق أحد ويصلى النفل، أو يصومه وينوى بثوابه غيره من الأحياء أو الأموات، وأما العلم المنتفع به والصدقة الجارية فمن كسب الإنسان، ومنفذ ذلك كوكيله وولد الرجل من كسبه، وقيل: يختص ذلك بهذه الأمة، والخطاب لليهود، أو المراد الجزاء بخير أو شر كما فى قوله { ولا تسئلون عما كانوا يعملون } عن خير أو شر ولا يسألون عما كنتم تعملون، والسؤال عبارة عن لازمه، وهو المؤاخذة، ولو كان حقيقا فكيف، وهو توبيخ.
قال ابن أبى حاتم مرسلا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يا معشر قريش، إن أولى الناس بالنبى المتقون، فكونوا بسبيل من ذلك، فانظروا ألا يلقانى الناس، يحملون الأعمال، وتلقونى بالدنيا تجمعونها فأصد عنكم بوجهى "
، وفى معناه ما روى: يا بنى هاشم، لا يأتينى الناس بأعمالهم، وتأتونى بأنسابكم، أو لا تسألون عما يعلم هؤلاء الأنبياء قبلكم من الشرائع، بل عما يعمل نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.
[2.135]
{ وقالوا كونوا هودا أو نصرى تهتدوا } أو للتفصيل، قالت يهود المدينة، كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، ووهب بن يهوذا، وأبو يسار ابن أخطب، وعبدالله بن صوريا الأعور، وهم رؤساء يهود المدينة للمسلمين: كونوا هودا تهتدوا، لا دين إلا دين اليهود، وأنكروا الإنجيل وعيسى والقرآن ومحمدا صلى الله عليه وسلم عليهما، وقالت نصارى نجران لهم: كونوا نصارى تهتدوا، وأنكروا التوراة وموسى والقرآن ومحمدا صلى الله عليه وسلم عليهما { قل } يا محمد لهم { بل } نتبع { ملة إبراهيم } كما جاء اتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، أو نلزمها كما كنا، لا نفارقها، أو اتبعوا أنتم كما اتبعناها، وذلك مضمون الرد على قولهم: كونوا... الخ، أو بل نكون ملة إبراهيم، أى أهل ملة إبراهيم كما هو لفظ: كونوا هودا، أو يقدر، بل كونوا أهل ملة إبراهيم كما كنا على ملته { حنيفا } عن الأديان كلها إلا دين الإسلام { وما كان من المشركين } كما كان الشرك فى يهوديتكم ونصرانيتكم، إذ قلتم عزير بن الله، والمسيح بن الله، أو إله، ونحو ذلك، وكما أشركتكم بإنكار القرآن وبعض الرسل، واليهود بإنكار الإنجيل، والنصارى بإنكار التوراة، والآية تعريض بشرك العرب المشركين، إذ يعبدون الأصنام، كما أنها تعريض بشرك اليهود والنصارى.
Bog aan la aqoon