مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكٍ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهَا: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنْ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ وَلَسْتَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ وَلا هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ.
قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ وَالشَّرِّ فَأَسْجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ وَأَحْرَقْتُهَا.
فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ: "اعْتَزِلِ امْرَأَتَكَ" فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا؟ قَالَ: "لا وَلَكِنْ لا تَقْرَبْهَا".
وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ فَهَلْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ" قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ لِشَيْءٍ مَا زَالَ مُكْتَئِبًا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلَيَّ الْبَلاءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قُلْتُ أَيْضًا يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا.
حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ عَنْ كَلامِنَا صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ جَلَسْتُ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ ﷿ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ: أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ! فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَاءَ بِالْفَرَجِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ أَعْطَيْتُهُ ثَوْبِي بِشَارَةً وَلَبِسْتُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ قَالَ: وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَلا نُبَشِّرُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ؟ قَالَ: "إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ".
قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي تَحْزَنُ بِأَمْرِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ وَكَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ" قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ
1 / 66