Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Noocyada
[غافر: 60]، أي: اطلبوني تجدوني كما قال تعالى:
" ألا من طلبني وجدني "
فافهم جدا.
قوله: { الرحمن الرحيم } قال أبو عبيدة: هما صفتان لله تعالى معناهما ذو الرحمة، ورحمة الله إرادته الخير والنعمة والإحسان. قلت: اختلف العلماء في معنى الرحمة فقال بعض المحققين: الرحمة من صفات الذات وهي إرادته إيصال الخير ودفع الشر، والإرادة صفة الذات، وهو المختار عندي؛ لأنه تعالى لو لم يكن موصوفا بهذه الصفة لما خلق الموجودات، فلما خلق الخلق علمنا أن رحمته صفة ذاتية؛ لأن الخلق إيصال خير الوجود إلى المخلوق ودفع شر العدم عنه، فإن الوجود خير كله والعدم شر كله، وقال الآخرون: الرحمة من صفات الفعل وهو نفس إيصال الخير ودفع الشر بدون إيصال الخير محال، قلت: وأيضا الخير بدون الإرادة المتقدمة في حق الباري سبحانه وتعالى محال؛ لأن إيصال الخير فعل والفعل مسبوق بالإرادة من الفاعل المختار فثبت بهذا أن الله تعالى كان في الأزل هو الرحمن الرحيم.
وذكر أبو حامد الغزالي - رحمه الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" تخلقوا بأخلاق الله "
، وهذا يقتضي أن يكون للعبد من كل اسم من أسماء الله حظ يليق بها.
فأقول: حظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون العبد كثير الرحمة.
واعلم: أن كل من كان إلى العبد أقرب كان إيصال الخير والرحمة إليه أوجب، وإن أقرب الناس إليه نفسه، فوجب أن يرحم نفسه ثم يرحم غيره: " أبدأ بنفسك ثم بمن تعول " ، فأما رحمته مع نفسه فإما أن يكون في الأمور الروحانية أو في الأمور الجسمانية.
أما في الأمور الروحانية: فاعلم أن للنفس قوتين نظرية وعملية، فأما القوة النظرية فإيصال الرحمة إليها يتزكيتها عن الجهل وتحليتها بالعلم الحقيقي وهو معرفة الله كشفا وشهودا معرفة عيانية لا بيانية، بل عينية لا عيانية، فافهم جدا. وأما القوة العملية فصونها في الإخلاء عن طرفي الإفراط والتفريط، وإلزامها المواظبة على التوسط بين الطرفين بأوامر الشريعة ونواهيها على قانون الطريقة.
Bog aan la aqoon