هذا في أمراض الأبدان، وكذلك أمراض القلوب وأدواؤها.
ولذلك كان الصحابة_رضي الله عنهم_أعرف الأمة بالإسلام، وتفاصيله، وأبوابه، وطرقه، وأشد الناس رغبة فيه، ومحبة له، وجهادا لأعدائه؛ لعلمهم بضده.
فإذا عرف العبد الضدين، وعلم مباينة الطرفين، وعرف أسباب الهلاك على التفصيل_كان أحرى أن تدوم له النعمة، ما لم يؤثر أسباب زوالها، وفي مثل هذا قال القائل:
عرفت الشر لا للشر
ر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر
من الناس يقع فيه
وهذه حال المؤمن يكون فطنا، حاذقا، أعرف الناس بالشر، وأبعدهم عنه، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته، وعرفت طويته رأيته من أبر الناس.
والمقصود أن من بلي بالآفات صار أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسدها على نفسه، وعلى من استنصحه، ومن لم يستنصحه.
22_ ابتلاء العبد بالإعراض عنه: فالله_عز وجل_يذيق عبده ألم الحجاب عنه، وزوال ذلك الأنس به، والقرب منه؛ ليمتحن عبده، فإن أقام العبد على الرضا والحال، ولم يجد نفسه تطالبه بحالها الأول مع الله، بل اطمأنت، وسكنت إلى غيره_علم أنه لا يصلح، فوضعه في مرتبته التي تليق به.
وإن استغاث استغاثة الملهوف، وتقلق تقلق المكروب، ودعاه دعاء المضطر، وعلم أنه قد فاتته حياته حقا، فهو يهتف بربه أن يرد عليه ما لا حياة له بدونه_علم أنه موضع لما أهل له، فرد عليه أحوج ما هو محتاج إليه، فعظمت به فرحته، وكملت به لذته، وتمت به نعمته، واتصل به سروره، وعلم حينئذ مقداره، فعض عليه بالنواجذ، وثنى عليه بالخناصر؛ فالعبد إذا بلي بعد الأنس بالوحشة، وبعد القرب بنار البعاد_اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة، فحنت، وأنت، وتصدعت، وتعرضت لنفحات من ليس لها عنه عوض أبدا، ولا سيما إذا تذكر بره، ولطفه، وحنانه، وقربه.
Bogga 20