تشدو فنرقصُ بالرؤو ... سِ لها ونزمر بالكؤوسِ
ومثله قوله المجتث
سلامةُ بن سعيدٍ ... يجيدُ حثَّ الراحِ
إذا تغنى زمرنا ... عليه بالأقداحِ
ومن حسن التشبيه في هذا الباب قول ابن الرومي
بدعةُ عندي كاسمها بدعهْ ... لا شكَّ في ذاك ولا خدعهْ
كأنما رقةُ مسموعها ... رقةُ شكوَى سبقتْ دمعهْ
غنتْ فلم تحتجْ إلى زامرٍ ... هل يحوجُ الصبحُ إلى شمعهْ
وشيعَ الزمرُ أعاجيبها ... كظبيةٍ أوفتْ على تلعهْ
كأنَّ تاجًا زادَ في بهجةٍ ... لا عمةً غطتْ ولا صلعهْ
وقال الناجم في قوله رقةُ شكوى سبقت دمعه
لقد خلقتْ فينا بفتنتها حزوى ... غناءً ملوكيًا أرق من الشكوى
وقال الطائي
مدتْ إليك بنانةً أسروعا ... تشكو الفراق ومقلةً ينبوعا
كادت لعرفانِ النوى ألفاظها ... من رقةِ الشكوى تكونُ دموعا
وقال أبو عثمان في قينةٍ المنسرح
ما صدحتْ عاتبٌ ومزهرها ... إلا وثقنا باللهوِ والفرحِ
لها غناءٌ كالبرءِ في جسدٍ ... أضناهُ طولُ السقامِ والترحِ
تعبدهُ الراحُ فهيَ ما صدحتْ ... إبريقنا ساجدٌ على القدحِ
وقال آخر
إذا ما حنَّ مزهرها إليها ... وحنَّ لصوته الشربُ الكرامُ
وأصغوا نحوها الآذانَ حتى ... كأنهمُ وما ناموا نيامُ
وفي حسن الإصغاء إلى الغناء يقول الناجم
نسكتُ إن همتْ بتغريدها ... سكوتنا إنْ نطق الخاطبُ
وقال أعرابي
قد ركدَ الهواءُ حتى ... كأنهُ أذنٌ تسمعْ
وقال ابن المعتز
ونداماىَ في شبابٍ وشيبٍ ... أتلفتْ مالهمْ نفوسٌ كرمُ
بينَ أقداحهمْ حديثٌ قصيرٌ ... هو سحرٌ وما سواهُ كلامُ
وغناءٍ يستعجلُ الراحَ بالرا ... حِ كما ناحَ في الغضونِ الحمامُ
وكأنّ السقاةَ بينَ الندامَى ... ألفاتٌ بينَ السطورِ قيامُ
وتشبيه الغناء بهديل الحمام معنى قديمٌ متداول والشرط إحضار النادر قال الناجم المتقارب
إذا أنتَ ميزتَ أهلَ الغنا ... ميزتَها الأحذَقَ الأطيبا
تهزُّ القريضَ بألحانها ... كما هزتِ الغصنَ ريحُ الصبا
وله أيضًا
ما أشبهتْ نغماتُ حبهْ ... إلا معانقةَ الأحبهْ
أحببْ بحبةَ إنها ... لسرورنا أبدًا محبهْ
وقال أيضًا
ما تغنتْ إلا تكشفَ همٌ ... عن فؤادٍ وأقشعتْ أحزانُ
تفضلُ المسمعينَ طيبًا وحذقًا ... مثل ما يفضلُ السماعَ العيانُ
وقال أيضًا في قينةٍ
أحيا أبا يحيى الإلهُ فإنه ... بأسماعنا من عاتبٍ يحيينا
طفقت تغنينا فخلنا أنها ... لسرورها بغناءها تغنينا
ومن حسن الاستعارة في هذا المعنى قوله المنسرح
ما نطقتْ عاتبٌ ومزهرها ... إلا ظللنا للراحِ نعملها
تطلبُ أوتارها الهمومَ بأو ... تارٍ فما تستفيقُ تقتلها
وقال ابن الرومي يرثي جاريةَ أم علي بنت الراسبي التي تسمى بستان المنسرح
واهًا لذاك الفناءَ من طبقٍ ... على جميعِ القلوبِ مقتدرِ
أضحتْ من الساكني حفائرهم ... سكنى الغوالي مداهنَ السررِ
يا مشربًا كان لي بلا كدرٍ ... يا سمرًا كانَ لي بلا سهرِ
أصبحتِ في التربِ غيرَ راجحةٍ ... بهِ وقد ترجحين بالبدرِ
وقال الناجم يرثي عجائب جاريةَ ابن مروان
أضحى الثرى بجوارها ... عطرَ المسالكِ والمشاربْ
حلتْ حفيرتها حلو ... لَ الملكِ من سررِ المواكبْ
يا درةً كانتْ تضي ... ءُ لناظرٍ من كلِّ جانبْ
ومثل ذلك قول إبراهيم بن العباس
درةٌ حيثُ ما أديرتْ أضاءت ... ومشم من حيثُ ما شم فاحا
وقال الناجم في قينةٍ
شدوٌ ألذُّ من ابتدا ... ءِ العين في إغفائها
أحلى وأشهى من منى ... نفسٍ بصدقٍ رجائها
وقال أيضًا
لها غناءٌ معجبٌ مطربٌ ... يفعلُ ما تفعلهُ الخمرهْ
يشوقُ الأذنَ إلى شدوها ... تشوقَ العين إلى الخضرهْ
كأنما فرحةُ من زارها ... فرحةُ من طارتْ له القمرهْ
لو أنَّ إسحاقَ شدا بعدَها ... لخلتَ من يسمعُ في سخرهْ
1 / 26