Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Noocyada
والشعراني نفسه يفصل هذا المقام فيقول: إن من منن الله عليه أن ألهمه مجاهدة نفسه من غير شيخ، لما تبحر في العلم، ثم بشيخ ليساعده - كما يقول - على إزالة الموانع التي تعوقه عن العمل بما علمه.
ولنترك الشعراني يحدثنا بأسلوبه القلبي الساحر راويا لنا قصة عباداته ومجاهداته: «وتركت أكل لذيذ الطعام، ولبست الخيش والمرقعات نحو سنتين، ثم أكلت التراب لما فقدت الحلال نحو شهرين، ثم أغاثني الله - تبارك وتعالى - بالحلال المناسب لمقامي إذ ذاك، وكنت لا آكل طعام أمين ولا مباشر ولا تاجر ولا فقيه وغيرهم ممن كسبهم شك، وضاقت علي الأرض كلها، ونفرت من جميع الناس، فكنت أقيم في المساجد المهجورة والأبراج الخراب مدة طويلة، وما رأيت أصفى من تلك الأيام.
وكنت أطوي الثلاثة أيام وأكثر ثم أفطر على نحو أوقية من الخبز، وضعفت بشريتي، وقويت روحانيتي، حتى كنت أصعد بالهمة في الهواء إلى الصاري المنصوب على صحن جامع الغمري
2
فأجلس عليه في الليل والناس نيام، ثم إذا نزلت من السلم إلى الجامع أنزل بجهد وتعب لغلبة روحانيتي.
وطلبها الصعود إلى عالمها؛ فإنه لا يثقل الإنسان إلى الأرض إلا كثرة الشهوات، وهذا هو سبب تحريك الإنسان رأسه حال الذكر وتلاوة القرآن، فكأن الروح تشتاق إلى القرب من حضرة ربها، إذا سمعت كلامه أو اسمه فتكاد تلحق بعالمها العلوي.
ولما غلب علي طلب العزلة عن الناس، تنكرت مني قلوب أصحابي، ونفروا مني حتى كأنهم لا يعرفونني من ضيق وقتي عن مباسطتهم بالكلام اللغو.
وكنت إذا فتحت مجلس الذكر بعد العشاء لا أختمه إلا عند طلوع الفجر، ثم أصلي الصبح وأذكر إلى ضحوة النهار، ثم أصلي الضحى وأذكر حتى يدخل وقت الظهر، فأصلي الظهر ثم أذكر إلى العصر، ومن صلاة العصر إلى المغرب، ومن صلاة المغرب إلى العشاء وهكذا، فمكثت على ذلك نحو سنة، وكنت كثيرا ما أصلي بربع القرآن بين المغرب والعشاء، ثم أتهجد بباقيه فأختمه قبل الفجر، وربما صليت بالقرآن كله في ركعة، وكان نومي غلبة تخطف رأسي خطفة بعد خطفة، وخفقة بعد خفقة، وكثيرا ما يغلب علي النوم فأضرب أفخاذي بالسوط، وربما نزلت بثيابي في الماء البارد في الشتاء حتى لا يأخذني النوم.»
وهذه الأمور من قاعدة ما إذا تعارض عندنا مفسدتان وجب ارتكاب أخفهما مفسدة، ولا شك في أن وقوف المحب بين يدي الله - عز وجل - في الظلام مع تألم جسمه بالضرب، أحسن عنده من نومه عن ربه - عز وجل - حال تجليه مع صحة جسمه، كما أشار إليه قوله
صلى الله عليه وسلم : «خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ .» ولكل مقام رجال، ومن طلب نفيسا خاطر بنفيس، فعلم أن المحب لله في واد والمنكر عليه في واد آخر، ومن طالع أحوال القوم في مجاهداتهم سهل عليه ما يكابده في نفسه، فقد وقع للشبلي أنه كان إذا غلب عليه النوم يضرب نفسه بقضيب الخيزران، حتى ربما أفنى الحزمة في الليلة الواحدة «وكان صلوات الله وسلامه عليه يقوم الليل حتى تورمت قدماه.» فأنزل الله عليه:
Bog aan la aqoon