Taariikhda Ummadda Qibdiiya
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
Noocyada
هذا ولقد علم بعد طول التنقيب والتنقير، وزيادة الاستقراء والاستقصاء، أن لفظة «إيجيبت» هذه مركبة من كلمتين يونانيتي الأصل؛ إحداهما: «آي» بمعنى أرض أو بلاد، والثانية: «جبت» بمعنى القبط؛ فيكون مجموع معنى الكلمتين «أرض القبط أو بلاد القبط» وهو الاسم الذي تناقل وتداول بين الأجانب عن هذه البلاد إلى الآن.
فالأقباط إذن هم سلالة المصريين القدماء الذين بلغوا الدرجة القصوى والشأو العظيم في العلوم والمعارف، وأحرزوا قصب السبق في مضمار التالد منها والطارف، وارتضعوا أفاويق الحكم واللطائف، وتفيئوا تحت ظلها الظليل الوارف. كيف لا وهم أول من فتحوا البلاد ودوخوا العباد، وشيدوا المدارس وأنشئوا المجالس، ووضعوا الشرائع ونبغوا في سائر الفنون والصنائع.
وها هي آثارهم الباهرة ومآثرهم الفاخرة لم تزل ولا تزال بين ظهرانينا تعرب عن فضلهم ونبلهم، وتترجم عن سمو مداركهم وكمال تقدمهم، فسل الأهرامات الباذخة، والمسلات الرفيعة والهياكل الشامخة، والأبنية الشائقة الشاهقة تجدها كلها ألسنة ناطقة وأفواها لافظة، تفصح عن براعة أولئك القوم الأولين والأسلاف السالفين.
ومن البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو إقامة دليل وبرهان أنه لا يتسنى لمن لم يكن متضلعا من العلوم والمعارف وواقفا على كنه أسرارها، أن يأتي بمثل هذه الآثار والمآثر الخطيرة الباهرة، التي تبهر البصر وتخلب اللب وتأخذ بمجامع القلب.
الفصل الثاني
علوم قدماء الأقباط ومعارفهم
لقد برع قدماء الأقباط خصوصا في علوم الفلسفة الكيماوية والعقلية، وعلم الهيئة والنجوم، وعمل الصيني والزجاج، وفن النقش والتصوير والبناء، وإجادة التحنيط. وبلغوا أيضا الدرجة القصوى في الهندسة، وقد أتقنوا علم الطب إتقانا عجيبا غريبا؛ وذلك لأن كل طبيب كان يتفرغ لفرع واحد من فروع العلوم الطبية فيتقنه ويتفنن فيه كل التفنن؛ ولذا كثرت لديهم الأطباء المتفننون المتقنون لسائر فروع الطب، وخصوصا ما كان متعلقا منها بأمراض العيون لكثرة انتشارها وتفشيها في بلادهم المصرية، إلى غير ذلك من الفنون المتنوعة التي يشق على أبناء هذا العصر الإتيان بمثلها، ولا سيما فن البناء والنقش على الأحجار والتحنيط، تلك الفنون التي حارت في إدراك كنهها وماهيتها عقول فحول العلماء المتأخرين؛ لذا لا عجب إذا علمت أيها القارئ النبيل أن جميع العلماء الأعلام، ومشاهير الرجال العظام كانوا يهرعون ويتقاطرون أفواجا أفواجا من كل فج عميق إلى بلاد القبط؛ ليرتشفوا من مناهل علوم أولئك القوم الذين فاقوا سائر الأمم المعاصرة والمجاورة لهم والمكتنفة ببلادهم، كما دلت على ذلك صحف التاريخ ونطقت آثار الأخبار.
الفصل الثالث
عوائد الأقباط القديمة المشهورة
لا ريب أن الأمة المتمدنة المتقدمة إنما يطلق عليها هذا الاسم إذا هي كانت على جانب عظيم من دماثة الأخلاق، وطهارة الأعراق، وكريم الشيم، وجميل الشمائل، وذلك كله لا يظهر جليا إلا في العادات التي خصت بها كل أمة على حدتها دون غيرها.
Bog aan la aqoon