Taariikhda Ummadda Qibdiiya
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
Noocyada
ولما كان الإمبراطور المنوه عنه ممن أصروا على رفض الإيمان المسيحي وآثروا البقاء على دين آبائهم وأجدادهم، استصوب هذا الرأي الذميم الوخيم، ثم أصدر الأوامر الصارمة للولاة والحكام؛ يحضهم فيها على طلب المؤمنين وإلزامهم بترك الديانة المسيحية، والعود إلى العبادة الوثنية الأصنامية، ومن يخالف يجازى بالقتل بلا شفقة، وأمر بهدم الكنائس فهدمت، وغصت السجون بالمسجونين وقتل من جراء ذلك خلق كثير لا يحصى ولا يستقصى، ودام هذا الاضطهاد مستمرا مدة من الزمن كادت فيها أرواح الأقباط جميعا أن تزهق، ووصل الفتك الذريع والجور الفظيع الشنيع إلى مدينة قفط التي كانت غاصة وقتئذ بالمهاجرين الذين هربوا إليها، والتجئوا بها تخلصا من هذا الاضطهاد المريع، فأمر الإمبراطور بقتل من فيها وأحرقها وأحرق مدينة ليست بأقل شهرة منها تدعى بوزيريس، وقصارى القول أن عدد من قتلوا من الأقباط في هذا الاضطهاد لا يدخل تحت عد أو حصر؛ ولذا ترى الأقباط يؤرخون له إلى يومنا هذا فيقولون سنة كذا للشهداء؛ أي المؤمنين الذين قتلوا شهادة للمسيح في عهد الإمبراطور دقليديانوس هذا الظلوم الغشوم.
ولكن لم يدم الحال على هذا المنوال، بل أبى الله إلا أن يفتقد هذه الأمة المنكودة الحظ وينقذها من غوائل وأهوال هذا الاضطهاد، فقيض لها ملوكا رومانيين عادلين رثوا لحالتها وأنقذوها من بلوتها؛ إذ كان هؤلاء الملوك مسيحيين مؤمنين فعمت في أيامهم الديانة المسيحية وامتدت امتدادا تاما.
ولكن لم يمض على ذلك طويل زمن حتى حاقت ببلاد القبط مصائب أخرى أشد وطأة من الأولى، وكان السبب في ذلك انقسام المسيحيين إلى جملة أقسام وأحزاب، فنجم عن ذلك شقاق عظيم أدى إلى تداخل الحكام وولاة الأمور، وكثر الفتك والبطش والقتل ونفي رؤساء الأديان.
وكان القبط ممن قاسوا شدائد كثيرة في هذه الظروف المدلهمة؛ لأنهم أبوا أن يوافقوا الحزب الذي كانت الملوك تنتصر له، فقتل منهم عدد عديد، وهاجر أكثرهم إلى بلاد النوبة والسودان، واستوطنوا فيها وعلموا سكانها الديانة المسيحية فقبلوها وتدينوا بها.
وما زالت نيران هذه الاضطهادات متأججة مستعرة مدة مديدة، إلى أن أتى العرب واستولوا على بلاد القبط وأخذوها من الروم على يد عمرو بن العاص قائد جيوش عمر بن الخطاب الثاني من الخلفاء الراشدين، فارتفعت حينئذ هذه الاضطهادات عن الأقباط قاطبة.
الفصل السادس عشر
حكم الدولة العربية الإسلامية على الأمة القبطية
إنه في سنة 18 هجرية خلا عمرو بن العاص بالخليفة عمر بن الخطاب، وطفق يحضه ويحرضه ويحسن له الاستيلاء على بلاد القبط، فصرح له الخليفة بذلك فحشد جيشا جرارا، وبعد أن حاصرها مدة طويلة على غير طائل فتحها أخيرا واستولى عليها، وساعدته الأقباط على نوال هذه البغية بناء على ما كان موجودا بينهم من الانشقاقات والانقسامات والاختلافات الدينية كما ألمعنا. ومن ثم صارت البلاد القبطية تابعة للخلافة العربية الإسلامية، فحكمت عليها أولا الدولة الأموية ثم الدولة العباسية فالطولونية فالإخشيدية فالفاطمية أو العلوية فالأيوبية إلى أن حكمتها أخيرا دولة المماليك البحرية التي طغت وبغت وعاثت في الأرض فسادا وأوردت الأمة موارد العناء والشقاء.
وفي سنة 1517 مسيحية افتتحها السلطان سليم العثماني، وقبض على طومان باي ملكها، وشنقه على إحدى بواباتها، وجعلها تابعة للدولة العثمانية بعد أن كانت تقاسي ألم الهوان والبلاء من ظلم واستبداد هؤلاء المماليك البغاة الطغاة.
ولما أخذ السلطان سليم بلاد القبط من يد هؤلاء المماليك العتاة المتمردين عين لها واليا يحكمها ويدبر أمورها، ويدير حركتها وشئونها بمؤازرة 24 من البكاوات. وكان هذا الوالي يتغير سنويا، واستمرت كذلك إلى أن أتاها نابوليون قائد الجيوش الفرنساوية واستولى عليها في سنة 1798 مسيحية.
Bog aan la aqoon