Taariikhda Ummadda Qibdiiya
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
Noocyada
وبعد انقراض هذه العائلة وجدت عائلة أخرى وطنية ثالثة قامت بأعباء الملك، أول ملوكها الملك نقطانب الأول الذي في أيامه كانت العجم تتهدد البلاد القبطية من وقت إلى آخر، وتود أن تستولي عليها عند سنوح الفرصة، فلما توقع الملك نقطانب منهم ذلك جند الجنود وحشد العساكر؛ فقيض له الله النصر عليهم ثم قضى نحبه، فأخلفه الملك طاخوس الذي عند علمه بأن العجم تقصد الاستيلاء على البلاد القبطية جمع جيشا جرارا، واستنجد بدولة اليونان؛ فبعثت إليه بجيش عظيم أيضا تحت قيادة القائد أجزيلاس اليوناني الذي اقترح على الملك طاخوس أن لا يتوجه لمحاربة العجم إلا إذا أتوا هم أولا لمحاربته، فلم يذعن لمقترحاته ولم يرضخ لمشورته، بل بادر إليهم بذاته، فلما خرج عن حدود البلاد رفعت عليه العساكر راية العصيان؛ فولى الأدبار وركن إلى الفرار وانحاز إلى جيش الأعجام. فتولى بعده نقطانب الثاني الذي عقد معاهدة مع أهل صيدا وصور؛ للاتقاء من شر الأعجام، فلما هجم على صور أرسل إليها الملك نقطانب فرقة عسكرية يونانية لنجدتها ومعاونتها، فهزم جيش العجم. فلما رأى ملك الفرس ذلك اضطرمت في فؤاده نيران الغضب والغيظ، فقاد الجيش بنفسه وهجم على جيوش اليونانيين والمصريين دفعة واحدة؛ فانتصر عليهم نصرا مبينا، حتى تمكن من إبادتهم جميعا؛ فولوا من أمامه هاربين وقفلوا راجعين وهم مذعورين صاغرين، ثم اقتفى أثرهم حتى سلموا أنفسهم بأنفسهم وهم خاضعين خاشعين، أما الملك نقطانب الذي هو آخر ملوك الأقباط الوطنيين فلم يسعه إلا أن جمع خزائن أمواله وفر هاربا إلى بلاد النوبة حيث قضى نحبه بها.
الفصل الثالث عشر
حكم العجم على بلاد القبط دفعة ثانية
ومن ثم صارت بلاد القبط تحت حكم العجم بعد أن لبثت نحو ستة وستين سنة مستقلة استقلالا كاملا، وكان ملك العجم وقتئذ الملك داراخوش صاحب تلك النصرة المشهورة، ولكن أبى الله إلا أن يقصر مدة حكمهم عليها في هذه الدفعة؛ إذ لم تستمر إلا ثلاث سنوات ليس إلا، وبعدها انتهى حكمهم في سنة 232ق.م وهي السنة التي أتاها فيها البطل الهمام رب الشوكة والصولة، ألا وهو الملك إسكندر المقدوني الأكبر، الملقب بذي القرنين كما سيأتي. وفي خلال هذه المدة الوجيزة التي حكم فيها العجم على البلاد القبطية لم يقم بالملك منهم إلا ثلاث ملوك فقط؛ كان دأبهم وديدنهم هدم العمارات المدنية، والهياكل الدينية وتدمير الآثار الوطنية؛ ولذا ترى أنه في مدة حكمهم هذه القصيرة قد خربت أغلب الآثار القبطية، وطمست معالمها حتى أصبحت وأنت لا ترى فيها إلا أطلالا بالية لا منفعة لها ولا فائدة منها على وجه الإطلاق، ولم يبق من الآثار المصرية على حاله القديم إلا ما شيد في أيام البطالسة. وبالإجمال فإن تملك العجم على القبط في هذه الدفعة الثانية عاد على البلاد والعباد بالوبال الوبيل.
الفصل الرابع عشر
حكم اليونان على بلاد القبط
وبعد مضي ثماني سنوات من حكم العجم على مصر بلاد القبط، وافاها إسكندر الأكبر ذو القرنين فاستولى عليها كما قدمنا، وجعلها تابعة لمملكة اليونان التي حكمت عليها نحو 27 سنة. أما الملك إسكندر الأكبر المومأ إليه فكان شهما أبي النفس عادلا؛ إذ أتاح للمصريين أي الأقباط قاطبة التدين بدين آبائهم وأجدادهم ومتعهم بالحرية التامة التي حرموا منها منذ أمد مديد.
واختط مدينة الإسكندرية فصارت مخزنا عاما لتجارة الدنيا بأسرها، ولم تزل كذلك إلى الآن، ولقد لقبها باسمه أي الإسكندرية.
وبعد وفاته تقاسم قواده ممالكه؛ فكانت مصر بلاد القبط من نصيب القائد بطليموس لاغوص الأول الذي نهج منهج الإسكندر في جميع أعماله، ولما كان محبا للعلم والعلماء أنشأ مكتبة الإسكندرية الشهيرة، ووسع نطاق البلاد القبطية؛ إذ أضاف عليها بلاد العرب وقبرص. وبعد وفاته حكمها بطليموس الثاني الذي ترجم التوراة إلى اللغة اليونانية، ثم بطليموس الثالث، فبطليموس الرابع، فالخامس، فالسادس، فالسابع إلى الثالث عشر.
وكان هؤلاء البطالسة جميعا رجال حزم وعزم عارفين ما لهم من الحقوق عند رعيتهم وما عليم من الواجبات نحوهم ، وفي أيامهم ارتقت بلاد القبط ارتقاء لا نظير له؛ إذ بثوا فيها روح العلوم والمعارف، ونشطوها من عقال الإهمال، فبلغت أوج المجد وذروة الكمال.
Bog aan la aqoon