Casriga Soo-noqoshada: Taariikhda Ummadda Carabta (Qaybta Sideedaad)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Noocyada
وظل التعليم مزدهرا طوال عهد محمد علي، ثم وقفت في عهد عباس الأول وسعيد، فأقفل جميع المدارس المدنية وبعض المدارس العسكرية بحجة عدم الحاجة إليها لوجود عدد كبير من المثقفين، ووجود عدد كبير منهم لا يجدون العمل الحكومي، كأن التعليم كان لإيجاد موظفين وحسب.
ولما تولى إسماعيل أعاد بعض المدارس المدنية؛ إذ لم يكن في عهده إلا مدرسة ابتدائية واحدة ومدرسة عسكرية ومدرسة طبية وصيدلية، وقدم إلى مصر في عهده عدد كبير من مثقفي البلاد العربية التي ضاقت بالظلم العثماني، وبخاصة من لبنان وسورية، فكان قدومهم عاملا على إيجاد حلقات علمية وفكرية على ما سنبينه بعد.
ولما احتل الإنكليز مصر أقفلوا بعض المدارس ، كمدرسة الألسن والترجمة، وحالوا دون إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، وجعلوا التعليم غير مجاني كما كان قبلا، وقلت العناية باللغة العربية، وفرضت اللغة الإنكليزية حتى ثارت الصحف وطالبت بالعودة إلى النظام القديم، واضطرت حكومة الاحتلال إلى الاهتمام بأمر التعليم وإنشاء المدارس الابتدائية والثانوية وبعض المدارس العالية.
ولكن على الرغم من هذا، فقد ظلت اللغة العربية تتعثر بأذيالها؛ بسبب الاحتلال من جهة، وعدم عناية الأسرة العلوية بها وانصرافهم إلى اللغة التركية والأدب التركي ثم الأدب الفارسي من جهة ثانية، فقد عنيت بهاتين اللغتين منذ زمن محمد علي وإسماعيل، وطبعت كثيرا من دواوينهما وكتبهما النثرية. يقول المستشرق بروكلمان: «وفي مصر كانت الطبقة الحاكمة من أسرة محمد علي وأتباعها تعنى بالأدب التركي أكثر مما تعنى بالأدب العربي، ومن مميزات هذه الفترة أن المطابع التي أنشأتها الحكومة في القاهرة لم تطبع الأنظمة العسكرية باللغة التركية فحسب، بل طبعت سلسلة كاملة من الأدب التركي الكلاسيكي، قبل أن تفكر في إسباغ هذا الشرف على الأدب العربي.»
1
ولكن على الرغم من هذا كله انصرف الشعب إلى العناية باللغة العربية، فازدهرت بفضل الجامع الأزهر ومعاهده المتعددة في القطر، وسار المستوى الفكري صعدا برغم كل العقبات التي وضعتها حكومة الاحتلال، واندفع الشبان نحو المعاهد الأوروبية حتى غدت مصر في طليعة الدول العربية ثقافة ورقيا عقليا، وبلغ عدد المدارس في القطر المصري سنة 1913م خمسة آلاف مدرسة وعدد طلابها نحو أربعمائة ألف طالب، وكان سكان القطر المصري في تلك السنة اثني عشر مليون نسمة، فتكون نسبة الطلاب إلى مجموع السكان نحو 3,5٪.
وضارعت بلاد العراق والشام ديار مصر في تقدمها العلمي، وكان الفضل بذلك إلى الحلقات العلمية التي كانت تعقد في الجامع الأموي بحلب، والجامع الأموي بدمشق، ومدارس النجف وكربلاء والكوفة، وبعض المدارس الدينية الإسلامية الأخرى في القطرين، وبعض المدارس المسيحية الملحقة بالكنائس والإرساليات التبشيرية. وقد كان هؤلاء المبشرون نشيطين في حركتهم الدينية والثقافية منذ فجر القرن السابع عشر، وكانت مدينة حلب أول مراكز الإشعاع الفكري في ديار الشام، كما كانت الموصل أول مراكز الإشعاع في العراق؛ قال جرجي زيدان: «من أكثر المدائن السورية في أثناء تلك الظلمة مدينة حلب، فإنها زهت بنبوغ طبقة من رجال العلم والأدب رغم ما أقفل من مدارسها، أو نالها من الخراب باستيلاء المغول أو التتر عليها.»
2
وذكر من هؤلاء الرجال: السيد مكاريوس البطريرك الأنطاكي لطائفة الروم الأرثوذكس، وكان من الأفاضل المصلحين الذين عنوا بتثقيف أبناء طائفتهم عناية خاصة، وألف بعض الآثار الدينية والاجتماعية، ومن أجلها: «رحلته إلى القسطنطينية وبلغارية وروسية»، وقد ألفها سنة 1652م، «أخبار المجامع السبعة الكبار» و«أخبار بطاركة الدنيا على الكراسي الأربعة» و«التاريخ الرومي العجيب من عهد آدم إلى أيام قسطنطين السعيد» و«كتاب النحلة»، وقد عربه عن اليونانية.
والسيد جرمانوس فرحات الماروني مطران حلب ونابغة عصره، ترهب في سنة 1693م وله من العمر 17 عاما، وكان يتقن العربية والسريانية واللاتينية والإيطالية، وقد طوف في العالم القديم، وأقام في دير القديسة مورا بإهدن، وزار معاهد إيطالية وإسبانية وصقلية، وبحث فيها عن المخطوطات العربية، ولما استقر به المطاف في مطرانية حلب للموارنة سنة 1725م، ألف أول مجمع علمي عربي جمع فيه فضلاء أهالي حلب من المسلمين والمسيحيين، وكلفهم بترجمة بعض الكتب العلمية والأدبية، وبالعناية بمخطوطاتهم العربية وعدم التفريط بها. ورأى أن لغة الإنجيل المعرب غير فصيحة، فأعاد ترجمته ترجمة صحيحة مقفاة؛ ليعرف أبناء الملة عذوبة لغة الضاد. وانكب على التأليف، ومن أجل آثاره: «ديوانه الشعري» و«بحث المطالب» في العربية، و«بلوغ الأرب» في تاريخ الأدب العربي، و«تاريخ الرهبنة المارونية»، و«أحكام الإعراب عن لغة الأعراب» وهو معجم لغوي دقيق، ولعله أول معجم وضع للغة العربية في فجر النهضة الحديثة، وقد طبع في مرسيلية سنة 1849م. وقد انتقد المطران قاموس الفيروزآبادي وأتى بنحو مائتي كلمة يتداولها أهل اللغة، وقد فاتت صاحب القاموس.
Bog aan la aqoon