كان المصريون أشد الأمم تمسكا بدينهم، وكان لهم آلهة كثيرة بعدد ما في بلادهم من الكور، وكانت هذه الآلهة عبارة عن النيل «مثل أوسيريس وخنوم» والأرض «مثل إيسس وبتاح» والسماء «مثل حار ويريس» والشمس «مثل رع وأنحوري». وكانت لها أشكال آدمية أو حيوانية ولها حشم وأتباع من عدة آلهة ثانويين، وكانت تشبه بني الإنسان في احتياجاتها وأميالها وقبائحها، وكانت عبادتها عبارة عن قرابين وضحايا يقصد بها إنالتها كل ما تحتاجه في معيشتها من مأكل ومشرب وغير ذلك من لوازمها، وكانت هذه الآلهة تتصاهر وترتب على توافقها وتباغضها مع بعضها بعضا حدوث هذا العالم وبقاؤه، ومن مقتضى مذهب هيليوبوليس أن خلق الدنيا كان على يد ثمانية من هؤلاء الآلهة؛ تحت رئاسة رع تومو الذي هو الشمس. (2)
وقد أقرت جميع الكور على هذا المذهب التساعي مع استبدال تومو بالإله المعبود في كل كورة منها؛ أي بآمون في طيبة، وبتاح في منف مثلا. وهذا ما حمل علماء الديانة على اعتبار جميع الآلهة الأصلية بمثابة أشكال تشكل بها تومو، الذي هو الشمس، أو أسماء مختلفة أطلقت للدلالة عليه، وقد كانت سيادة طيبة على القطر المصري سببا في سيادة آمون على بقية الآلهة الآخرين . (3)
أما الإله الوحيد الذي اعترف به جميع المصريين فكان أوسيريس إله الأموات، وكان المؤمنون يحضرون يوم الدينونة أمام محكمته ثم يبررون أنفسهم ويزكونها بالتنصل، وبعد ذلك يقبلون في غيطان الفول، حيث يعيشون عيشة تشابه عيشتهم على وجه الأرض مشابهة كبيرة. وفي القرون الأولى التي أعقبت ظهور الديانة المسيحية كان أوسيريس شبه إله دولي انتشرت عبادته في جميع أنحاء المملكة الرومانية.
الباب السابع
الآثار والصناعة (1) ما بقي من الآثار المصرية
ربما كانت الآثار التي خلفها لنا المصريون أكثر مما تركته أية أمة عظيمة من أمم السلف؛ فإن الوادي كله مشحون ببقايا معابدهم ومدائنهم متراكما بعضها فوق بعض، حتى إن من نظر إلى السلسلتين اللتين تكتنفان هذا الوادي رأى القبور منحوتة في جميع أجزائهما بحيث إنهما يعتبران كمقبرة واحدة، هذا واعلم أن الآثار التي شوهدت وأمكن البحث فيها إلى الآن هي شيء قليل في جانب ما بقي تحت البحث والنظر، وما عساه ينكشف لنا مع توالي الأيام. (2) فن العمارة وذكر المعابد
العمارة هي الفن الذي برع فيه المصريون أكثر من غيره، وفازوا فيه بالقدح المعلى، والنصيب الأوفر الأوفى، وقد تركوا لنا نموذجات ورواميز لهذا الفن هي البالغة في الإتقان والكمال؛ فقد بنوا معابدهم بالحجارة الكلسية، أو الأحجار الرملية، وأما الأبواب وبعض الحجرات الداخلية فكانوا يصنعونها من الصوان (الجرانيت) الوردي أو الأسود، وقد يندر أن تكون الكتل متساوية موضوعة بوضع منتظم تمام الانتظام، بل وتختلف أحجامها والمداميك تأخذ مواضع بعضها، ولكنها كلها مرصوفة منضدة بحذق زائد، ومهارة تامة، حتى إنها قاومت الدهور، وصبرت على ممر الزمان، بل صبر ويصبر على ممرها الزمان، مع أن العمائر التي اعتبر بناؤها أحسن وأجود قد ذهبت في خبر كان. ثم إن أغلب معابد الدلتا ومصر الوسطى ليست الآن إلا أطلالا دراسة ورسوما دائرة، لا يكاد يتهيأ للمتبين أن يميز الشكل الذي أقيم عليه بناؤها، والصورة التي أعطيته عند تشييدها. أما معابد الوجه القبلي فحظها من الحفظ أوفر، ونصيبها في البقاء أكثر، فإن كثيرا من هذه الهياكل في جزيرة بلاق (شكل
7-1 ) وإدفو ودندرة محفوظة حفظا تاما؛ بحيث إن أقل ترميم يكفي لإعادتها كما كانت زمن تلك العبادة.
شكل 7-1:
هيكل جزيرة بلاق (فيلة) المعروف بقصر أنس الوجود منظورا من أعلى الصرح الأول.
Bog aan la aqoon