Taariikhda Waallida: Laga soo bilaabo Waayihii Hore ilaa Maanta
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Noocyada
3 «وهنا يتجلى الدهاء الأعظم، كما كتبت جلاديس سواين، الذي من خلاله وضع البناء الأسطوري نفسه بمنأى عن التناقض؛ إذ يقدم نفسه ليس باعتباره حقيقة ثابتة ومؤكدة، وإنما باعتباره دعامة متواضعة، بل أداة عرضية، لحقيقة لا تدركها الأسطورة نفسها ولا تصرح بها على وجه التدقيق. إنه يحقر من شأنه ليستقطب بشكل أفضل [...] وهكذا تتكرر دون كلل أو ملل التفسيرات المتعلقة بمشهد الخلاص هذا الذي من المفترض أنه يكشف بشكل ما عن سر دخول الجنون في مجال الطب.»
4
رجل صاحب قلم
يعد بينيل رجلا صاحب قلم، أكثر من كونه رجلا صاحب أفعال يرفض علم التأريخ نسبتها إليه، فهو في المقام الأول عالم نظري. لقد كان بينيل يملك ثقافة كلاسيكية واسعة، فكان يعرف أبقراط، وأريتايوس، وسيلسوس، وكاليوس أوريليانوس، وجالينوس. وقد قرأ بعناية كتاب «مناقشات توسكولوم» لشيشرون، وتبنى منه النظرية الرواقية القائلة بأن الجنون مصدره الأهواء. ولقد ذاع صيته بعد صدور كتابه «التصنيف الفلسفي للأمراض العقلية» في عام 1798. ونشر في العام التاسع للثورة (1800-1801) «البحث الطبي الفلسفي عن الاستلاب العقلي، أو الهوس»، يبدأ هذا الكتاب بمقدمة طويلة تعطي لمحة عامة لا هوادة فيها عن تاريخ الاستلاب العقلي، حتى ولو أثنى بينيل على أنصار النزعة الخيرية الإنسانية، وأشاد بالدور الرائد الذي اضطلع به الإنجليز، على الرغم من أنه شدد على أن علاجهم المعنوي يجب أن يفهم وفقا لمعناه الأكثر عمومية. لا يزعم بينيل أنه أول من طور تفكيرا نظريا في إطار فلسفي. فلا ننس أن داكين قد حاول، من قلب مأوى شامبيري، اعتماد مقاربة مماثلة منذ عام 1791 في مؤلفه «فلسفة الجنون». لم يتحدث بينيل قط عن داكين، بينما أهدى إليه هذا الأخير الطبعة الثانية من كتابه، التي صدرت في عام 1804. كان هذا الصمت سببا وجيها في انتقاد بينيل، لدرجة أنه أثار جدلا في منتصف القرن التاسع عشر حول أسبقية داكين. كما لم يأت إسكيرول أيضا على ذكر داكين. فما قام به بينيل وإسكيرول في المدينة غطى على ما قام به داكين في الريف.
سلط الضوء في «البحث» على الهوس، الذي يمثل الجنون الأكثر شيوعا ولكن الأكثر قابلية للشفاء في الوقت ذاته. لا يؤمن بينيل بالأصل العضوي المباشر لأمراض الدماغ؛ مما تسبب في إثارة عداء راعيه وصديقه كابانيس (1757-1808)، الذي كان مقتنعا من جانبه بضرورة ربط دراسة الظواهر النفسية بعلم وظائف الأعضاء وليس بالأحاسيس («العلاقات التي تربط بين الجانبين المادي والمعنوي للإنسان»، 1802). يرى كابانيس أن بينيل عويص المعاني وغامض، وأنه لا يؤمن كثيرا بالفسيولوجيا: «هذا العقل الممتاز لا يجهل أن كل ما له صلة بالجانب المعنوي يوقظ أفكارا مبهمة وخاطئة.» بالنسبة إلى كابانيس، يرجع سبب الإصابة بالجنون في أغلب الأحيان إلى تهيؤ الجسم للمرض: الروابط بين ضروب الجنون والتهاب الأحشاء عند الخثلة، والآفات التي تصيب لب الدماغ أو الأجزاء المجاورة ... أما عن أنواع الجنون الفكرية البحتة، فربما تكون عدم دقة التحليل هي التي أكسبتها طابعا نظريا.
5
وهكذا وضعت أسس الجدال الكبير حول الأصل التشريحي-الباثولوجي للاستلاب العقلي. وفي هذا الصدد، يشير بينيل بالأحرى، وبصورة غامضة، إلى تلف الدماغ الناجم بفعل التواد عن اضطرابات الأحشاء الموجودة أسفل البطن (وهي الفكرة التي كانت رائجة إبان القرن الثامن عشر)، التي تسبب بدورها الانفعالات والأهواء. الطبعة الثانية من «البحث الطبي الفلسفي» (1809)، التي فقدت الجزء الثاني من عنوان الكتاب الأصلي (أو الهوس)، تميل إلى وضع تصنيف الأمراض العقلية على منحدر سلوكي؛ حيث نجد على نحو ظاهر توصيف الأمراض الذي ورد بالموسوعة: السوداوية، أو الهذيان الجزئي الموجه نحو غرض واحد، والهوس الذي يلي غالبا السوداوية ويأتي في صورة هذيان عام وأحيانا «هوس هياجي دون هذيان»، والخرف الذي يعد ضعفا ذهنيا عاما، والعته الذي يمثل «فقدانا كاملا لملكات الفهم والإدراك». بالإضافة إلى ذلك، في المقدمة المستفيضة التي كتبها بينيل في عام 1808 تمهيدا ل «الموسوعة المنهجية» (المجلد الثامن)، والتي خصصها ل «الهوس، والذهان العقلي والاستلاب العقلي، أو أنواع الخلل التي تصيب الوظائف الفكرية»؛ أضفى طابعا رسميا على استخدام مصطلح «الاستلاب العقلي»، باعتباره «مصطلحا موفقا يعبر عن شتى أنواع الاختلال الذي يصيب الفهم والإدراك.»
كل هذا لا يبدو ثوريا بما يكفي لتأسيس الطب النفسي؛ فلا بد من النظر في موضع آخر.
6
وفقا لبينيل، ينبغي أن يكون المرء طبيبا، وألا يعطي الأفضلية للعلاج على حساب الملاحظة. كما يجب أن يكون ممارسا، ولكن ليس كثيرا أيضا ، وأن يولي كذلك أهمية كبيرة لرصد المرض العقلي. بالمقابل، لا بد من أن يكون المرء فيلسوفا حقا (يستخدم بينيل في بعض الأحيان تعبير «الطب الفلسفي»، وها نحن نعود من جديد إلى داكين، الخالد المنسي). فالفلسفة يجب أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في مجال الجنون؛ لأن منشأها الأهواء. ويذكر أن بينيل لا يتبع الرواقيين الذين يطمحون إلى اجتثاث تلك الأهواء. ويقترح من جانبه أن «توازن» بعضها البعض. كما أنه ينفصل عن القدماء، حين يريدون إحداث انقسام صارم بين النفس التي يختص بها الفيلسوف والجسم الذي يختص به الطبيب.
Bog aan la aqoon