Taariikhda Waallida: Laga soo bilaabo Waayihii Hore ilaa Maanta
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Noocyada
بالتوازي مع ما سمحنا لأنفسنا بتسميته بأثر رجعي «عصر الباروك العلاجي»، الذي كان يعد - وينبغي أن نشدد على ذلك - متوافقا مع التفكير الطبي السائد في ذلك الوقت؛ بزغت - منذ العصور القديمة - فكرة «العلاجات المعنوية»، التي مهدت الطريق ل «المعالجة الأخلاقية أو العلاج المعنوي». وكان كاليوس أوريليانوس قد نصح بالاستعانة بكل ما يؤثر في علاقة المريض بالطبيب وبالبيئة المحيطة به: التعليم، والسلطة، بل والإكراه من جهة، والرقة والوداعة، وتجاذب أطراف الحديث، والترفيه من جهة أخرى. بإمكاننا الحديث عن نوع من العلاج الترابطي، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق مبدأ «يشفى الضد بالضد» (كأن نتحدث مثلا مع مرضى السوداوية عن أشياء مفرحة). في القرن السادس عشر، عكف خوان لويس فيفيس - واضع نظرية المساعدة، والعالم الإنساني واللاهوتي، وعالم الاجتماع - ضمن أمور أخرى على دراسة مسألة المختلين عقليا؛ «لأنه لا يوجد في العالم ما هو أكثر تميزا من الإنسان، ولا يوجد في الإنسان نفسه ما هو أكثر تميزا من العقل.» ينبغي أن يكون العلاج ملائما لكل حالة على حدة: «فالبعض يحتاج إلى تناول مهدئات واتباع نظام غذائي، والبعض الآخر يجب التعامل معه برفق وعطف حتى يتم ترويضه رويدا رويدا كوحوش البرية، وآخرون بحاجة إلى أن يتم تعليمهم وتثقيفهم وتوعيتهم، وهناك من ينبغي إخضاعهم بالاحتجاز والسلاسل.»
15
لم ينس باجليفي - طبيب إيطالي من القرن السابع عشر - بعد أن قام بإعداد لائحة طويلة تتضمن أساليب المعالجة الفيزيائية الخاصة بمداواة الجنون، أن يضيف إلى هذه القائمة تأثير «الانطباعات المعنوية»، المبهجة، أو الرقيقة أو الانفعالية تبعا لكل حالة على حدة. وهكذا انساب مصطلح «الجانب المعنوي» في مجال العلاج إلى ميدان تاريخ الجنون، وذلك في الوقت نفسه الذي أعاد فيه هذا التاريخ إحياء الخطاب حول الأهواء. يعد هذا المصطلح، الذي سنلاقيه مرارا، مبهما. وسيظل محاطا بهالة من الغموض. يقصد به في المقام الأول كل ما له علاقة بالنفس أو العقل، ونشير في هذا السياق إلى التناقض بين العلاجات المعنوية والعلاجات الفيزيائية، مثلما نفرق بين البؤس المادي والبؤس المعنوي. وفقا لهذا المعنى، علينا أن نفهم التصريح التالي بشأن إحدى المختلات عقليا التي أدخلت مشفى شيربور العام في سنة 1786: «النظام الغذائي والعلاجات المعنوية قد جعلاها تتحسن ومنحا الأمل في شفائها.» ولكن، أمام الاتصال النشط بالمشاعر والأهواء، طوال القرن الثامن عشر، اكتسب الجانب «المعنوي» إشراقة وحيوية، وأصبح يشمل أيضا بعدا أخلاقيا يقصد به كل ما هو منضبط، وعادل، ونزيه وخير في مقابل الشر. وتحول النعت
moral «معنوي» إلى اسم
morale «مبادئ أخلاقية» في القرن السابع عشر، ولكن وفقا للمعنى المعياري الذي نعرفه اليوم، والذي يتوافق مع إحياء الفلسفة الرواقية. نذكر بأن الجنون، من وجهة نظر الرواقيين، ليس إلا التهاب المشاعر؛ أي عدم القدرة على ضبط النفس أو التحكم في الأهواء وانعدام الرقابة الذاتية. وهكذا فالمرء مسئول بشكل ما عن جنونه، بما أنه مسئول عن عواطفه. ومن ثم، بالنسبة إلى القرن التاسع عشر، سنجد أن ذروة التقدم - أو لنقل التجسد النهائي للعلاج المعنوي - سيتمثل في «توبيخ ووعظ» المريض عقليا.
أقر القرن الثامن عشر الفلسفي، الذي أعاد قراءة مؤلفات القدماء، هذه الأفكار، كما تشهد بذلك «الموسوعة» التي ورد فيها أن الأهواء «تنزع عن الإنسان الحرية تماما، وتجعله في حالة تصبح فيها النفس بشكل ما سلبية
passive ، ومن هنا جاءت تسمية العاطفة بالهوى
passion .» وهكذا يجد الإنسان المثقل نفسه «لا يملك حرية التفكير في أي شيء إلا فيما له صلة بهلاكه؛ ولذا تعد الأهواء أمراض الروح.» ولا يعني هذا أن الأهواء غير ضرورية، كلا، فهي تمثل «المحرك الرئيس لكل شيء»، وإنما لا بد من السيطرة عليها.
من ثم، تراجعت مدرسة الجسدنة (التي عادت فيما بعد) لصالح مدرسة علم النفس. «إيقاظ حساسية الروح وإحياء ذوقها وشجاعتها اللذين انطفأت جذوتهما، وذلك من خلال الاستعانة بكثرة بعوامل الإثارة والتحفيز وجذب السرور الذي تستطيع الروح تذوقه: وبهذه الوسيلة نثير داخل الدماغ فكرة أقوى بحيث تقوم بمحو تلك الفكرة السخيفة التي تحتل النفس» (دوفور). إن خدمات الرعاية التي يقدمها الطبيب غالبا ما تكون غير مجدية؛ لأنه لا يعرف بما فيه الكفاية «معنويات» مريضه (تيسو). «إذا كان سبب الداء معروفا، فأين نجد الدواء؟ في مصدر الداء نفسه - أي في المخيلة - فهي التي قدمت السم، ومن ثم لا بد من أن نجد عندها الدرياق.»
16
Bog aan la aqoon