Taariikhda Waallida: Laga soo bilaabo Waayihii Hore ilaa Maanta
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Noocyada
ويتعين أن نلاحظ، استكمالا لحديثنا، أن الزيادة الرهيبة في أعداد النزلاء بمشفى باريس العام في منتصف القرن الثامن عشر، بعيدا عن كونها ناجمة عن «حصيلة» جيدة لعملية ملاحقة المتسولين في باريس؛ هي نتيجة لفشل الاحتجاز في الأقاليم (لذا سيكون قياس النسبة المئوية لعدد المحتجزين في المشفى العام بالمقارنة مع عدد السكان في باريس أمرا مضللا، وهو ما قاد ميشيل فوكو إلى تلك النسبة المذهلة التي تساوي 10٪). لقد كان المجانين موجودين بأعداد كبيرة خلال عمليات النقل إلى العاصمة، طبقا لما جاء في القرار الصادر عن برلمان باريس منذ عام 1695 والذي ذكر بالفعل أن مديري المشفى العام «أقروا بوجود العديد من الأطفال وأشخاص من جميع الأعمار، من كلا الجنسين، ومكفوفين، وحمقى، وغيرهم ممن يعانون من أمراض أخرى، هؤلاء جميعهم كانوا يرحلون من مختلف الأقاليم وينقلون إلى مدينة باريس.»
20
بالرغم من توبيخات السلطات الملكية، لم تتوقف هذه الظاهرة. وسنتناول بالتحليل الآليات والأسباب المتعلقة بها، مع التطرق إلى الجزء المغمور من الجبل الجليدي المتمثل في التأديب، الذي كان يتم في السجون أو منازل الاحتجاز الجبري بناء على طلب العائلات و«المجتمعات المحلية».
إن تكرار المراسيم الملكية ما هو إلا دليل على فشل الاحتجاز. بدءا من عام 1661، ورد في أحد المراسيم اعتراف بفشل عملية الاعتقال في عام 1657 وتذكير بالهدف المزدوج من إنشاء المشفى العام والمتمثل في: «إظهار قدر من الشفقة والحنو تجاه الضعفاء يقابله قدر معقول من القسوة والصرامة تجاه الكسالى الماكرين.» ودائما ما كانت تفرض عقوبات صارمة متصاعدة على المتسولين الأصحاء في حالة اقتيادهم للمرة الثالثة إلى المشفى العام، وهو ما يناقض الدليل على أنه كان يتم إطلاق سراحهم. وتعكس عمليات إطلاق السراح هذه الغير المناسبة - وهي التي أدينت بشدة من قبل السلطة الملكية الحاكمة في السنوات التالية - الضائقة المالية التي ترزح المؤسسة تحت وطأتها.
تكررت البيانات الملكية دون كلل أو ملل. وقد أحصى أحدها على وجه الخصوص، ضمن فئات أخرى، «العاجزين المصابين بالصرع»، ولكن لم يرد أي ذكر للحمقى (ولن يرد أبدا في نهاية المطاف). أطلقت السياسة القمعية الفعلية التي اتبعها المشفى العام تجاه المتسولين الأصحاء سياسة المساعدة العاجلة. أصر الإعلان الصادر في عام 1724، أكثر من غيره، على إحياء ديناميكية المشفى العام في جميع أنحاء المملكة، وذلك من خلال الإشارة بوضوح إلى اعتقال المتسولين الأصحاء. ثم أصبح إعلان 1724، بعد هذه الانطلاقة القوية، حبرا على ورق اعتبارا من عام 1731، في أعقاب المجاعة التي ألمت بالبلاد في عام 1725 وتسببت في تشريد عدد كبير من التعساء. في منتصف القرن الثامن عشر، حان الوقت لمعالجة قضيتي العاجزين (الذين كانوا يحتلون في الواقع المشفى العام) والمتسولين الأصحاء (الذين كان لا بد من إيجاد مؤسسة جديدة لإيوائهم) كل على حدة. لقد حان الوقت أخيرا للتفريق بين المساعدة والشرطة.
في الأقاليم، كان الفشل أكثر وضوحا؛ لأن المشافي العامة لم تحقق نجاحا؛ لا فيما يتعلق باعتقال الأصحاء ولا فيما يتعلق باعتقال العاجزين. ومع ذلك، فقد حاولت هذه المشافي تطبيق ما جاء في إعلان 1724، ولا سيما أنه كان قد قطع وعدا متهورا بالتكفل هذه المرة بجميع النفقات على حسابه. وهكذا أراد مشفى كوتانس العام، الذي أنشئ متأخرا، أن يدبر مكانا للمتسولين الأصحاء. ومن ثم أبدى اعتراضا على فرسان المارشالية حتى لا يظهروا تعنتا عبر إلقاء القبض على العاجزين فقط: «سيكون من الملائم [...] ألا يؤذن لهم باقتياد جميع الفقراء على اختلاف أنواعهم من الأبرشيات المجاورة دون تمييز، وإلا فستجد المشافي أنفسها مكتظة بالمجانين، والمعاتيه، والعاجزين، وغيرهم. أولئك ليسوا بالضبط المتسولين المحترفين ولا المتشردين الذين يراد قمعهم.» لقد قيل ما فيه الكفاية. وإذا وجد مجانين، كما هي الحال ها هنا؛ فذلك لأنهم «سرقوا» الأماكن المخصصة للمتسولين الأصحاء. بل والأفضل من ذلك، أن بعض المشافي العامة المحدودة المساحة والمكتظة بالعاجزين من شتى الأنواع رفضت بالفعل احتجاز الأصحاء.
في معظم الأحيان، كانت المشافي العامة، التي تأسست على عجل، تكابد صعوبات مالية خطيرة. لقد كان الوضع مترديا، خاصة إذا وضعنا في الحسبان مآسي الدهر. بالإضافة إلى ذلك، لم تستطع السلطة الملكية الوفاء بالتزاماتها على الرغم من وعودها. أما فيما يتعلق بحركة العمل الخيري التي مهدت الطريق لميلاد المشفى العام، فقد نضب معينها؛ سواء من جهة الأثرياء، أو من جهة الأناسي المتواضعين الذين كان يطلب منهم في كثير من الأحيان دفع مبالغ مالية معينة في نطاق ما يسمى ب «جباية الأموال». «لقد تباطأ إيقاع العمل الخيري، وأصابه الجمود، وكاد يخبو»، تلك هي العبارة التي رددها بمنتهى الرقي مديرو مشفى بايو العام في سنة 1772.
في المشفى العام الكائن بمدينة سان لو، كان ينبغي زيادة عدد الأسرة المتاحة بمعدل ثلاثة أضعاف. فقد تعين على المسئولين وضع «ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو حتى ستة من الفقراء معا ليناموا في سرير واحد»، علما بأن عدد الفقراء كان يبلغ 207، في حين أنه كان يجب توفير مكان يسع 600 فقير. وقد كتبت إحدى الراهبات العاملات في المشفى خطابا إلى الوكيل الموفد في السابع عشر من ديسمبر 1724 قالت فيه: «لقد مرضت رئيستنا منذ ثلاثة أسابيع بالحمى وأصابها الحزن من رؤية الفقراء بمشفانا يعانون، وتقطعت أحشاؤها حزنا؛ لأنها ترى نفسها عاجزة عن التخفيف من آلامهم. وأؤكد لكم يا سيدي أن الإنسان الذي لا يتأثر بأوجاعهم وشقائهم ولا تتحرك مشاعره لدى رؤيتهم شبه عرايا في ذلك الفصل الذي نحن فيه [...]، لا بد من أنه يمتلك قلبا من حجر. أود أن أضيف فيما يتعلق بمتسولينا، أنهم أناسي مرضى، جميعهم مصابون بالصرع [؟] ومع كل هذا، فإننا نجد شيئا من التعزية إذا استطعنا توفير مسكن وملبس لهم.» نقرأ في خطاب آخر يعود تاريخه إلى أبريل 1733 العبارة التالية: «لقد استهلك تقريبا كل المخزون لدينا من الخشب، والزبد، والشحم. واستعملت البياضات (قماش قطني أو كتاني يستعمل للملابس الداخلية وسواها) بالكامل، كما ينقصنا خمر التفاح.»
في منتصف القرن الثامن عشر، لم يكن الوضع أفضل حالا في المؤسسات الكبرى. بيد أن هذه المؤسسات كانت تمتلك دخلا عبارة عن مبالغ مالية مخصصة لها لا يستهان بها (متمثلة في جزء من رسوم الدخول المفروضة على بعض السلع والبضائع، والغرامات على وجه الخصوص) بالإضافة إلى الناتج الذي كانت تحصل عليه من المصانع التابعة لها. وعلى الرغم من ذلك، تجاوزت المصروفات بكثير الإيرادات، وكانت هناك محاولات في كل مكان لسد هذا العجز الضخم. فقد قام مشفى روان العام، الذي كانت تقدر خصومه في ذلك الوقت ب 216 ألف جنيه، بطرح قرض للاكتتاب. أما مشفى ليل، فقد تنازل عن ملكية جزء من أصوله ، كما فعلت العديد من المؤسسات الأخرى. في ظل هذه الظروف، لم يكن هناك مجال لتمويل إنشاءات جديدة أو حتى لترميم وإصلاح المنشآت القائمة بالفعل. في كل مكان تقريبا، كانت المباني التابعة للمشافي العامة، والتي لم تكن تتم صيانتها، على شفا الانهيار.
الفصل الثالث
Bog aan la aqoon