Taariikhda Waallida: Laga soo bilaabo Waayihii Hore ilaa Maanta

Sara Rajai Yusuf d. 1450 AH
133

Taariikhda Waallida: Laga soo bilaabo Waayihii Hore ilaa Maanta

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Noocyada

37

ويمثل مرضى هوس السير بالطبع فئة من نوع خاص: «خايلني شيء يسير بسرعة ويغير اتجاهه بسرعة من طرف الغرفة، ويستكمل مساره حتى يصل إلى الركن الآخر، ثم يغير من جديد اتجاهه من زاوية إلى زاوية إلى ما لا نهاية. كان الرجل الذي يسير هكذا مرعبا، يسير باندفاع شديد بخطوات خفيفة تشبه الحيوانات الحبيسة التي تسير على خطاها نفسها حتى تصل إلى نهاية القفص وتكتشف أنها لا يمكن أن تمضي أكثر من ذلك.»

38

ويتم تشبيه مكان مرضى هوس السير - بالمعنى الحقيقي للكلمة - ب «كهف الدببة»: «انظروا! - قال زميلي - إنهم يزينون كهف الدببة. فقلت: «كهف الدببة»، انتبه إذن! فأمام كبير الأطباء والممرضات لا يوجد سبيل للمزاح! إذا أردت أن تستنشق الهواء، فقل: «أنا ذاهب إلى الساحة» أو أفضل قل: «أنا ذاهب للخارج.» وتعتبر الساحة أيضا نوعا من السجن [...] يسير في كافة أرجائها ما يقرب من عشرين محتجزا، يضطر حارسان إلى البقاء في القاعة، في حين يتنزه الاثنان الآخران بملابسهما البيضاء وبوجهيهما وافري الصحة بين قطيع المرضى البائسين. كان يبدو على الجميع كمن يتنكر لحضور أحد الكرنفالات، فكان ثوب الراهبات موحدا تقريبا بلونه الأزرق الباهت مضفيا على أشكالهن نوعا من الفكاهة [...] وفي خضم هذه التعاسة البشرية، رأيت نظرات ميتة أو مضيئة، نظرات مقلقة أو أخرى توحي بسذاجة خادعة، وابتسامات ساخرة تثير الخوف. ولكنني إذا ما رأيت وجها يبدو لي هادئا وسط هذا الفناء كنت أتساءل عن الهلاوس المفزعة التي تختبئ خلف هذا القناع، مثل تلك المنازل الهادئة التي تخفي في داخلها أعمال السكر والعربدة.»

39

لا يوجد مريض يشبه الآخر، فلا يوجد هذيان يطابق الآخر. وإذا رغبنا في المبالغة في التصنيف، فيجب أن يكون لكل ساحته ومنطقته الخاصة به. «يظلون ثلاثين شخصا منعزلين، وليس مجموعة واحدة، ثلاثين مجنونا تعسا وحيدا في كراهيته الواعية، كل منهم يحتمي في جنونه وبؤسه اللذين أصبحا بالنسبة إليه صورة وجهه وقبحه.»

40

لنتطرق الآن إلى ساحات المرضى المسالمين، حيث يسعى المصابون بالكآبة وعقدة الاضطهاد وذوو النزعات الروحية إلى الوحدة، فلا يتنقلون ولا يعملون ولا حتى يأكلون إن لم يخبرهم أحد. لدى النساء، كانت هناك مريضة «تجلس دائما القرفصاء في أحد الأركان بحجة رعاية أبقارها». بينما «ترقد الأخرى على المقعد في الحديقة طوال اليوم، وبمجرد رؤية الطبيب تهرع إليه وتسير معه متمتمة بكلمات غير مفهومة». كثيرون منهم - رجالا كانوا أو نساء - يتجولون في صمت كالأشباح، يتحدثون أحيانا مع كائنات غير مرئية، يقفون دائما في مكان معين في الممر أو الفناء ولا يبرحونه أبدا. بينما يقوم آخرون بجمع الأشياء الصغيرة من الأرض، ويلتقطونها كأشياء قيمة. وهناك مرضى يمكثون دائما بالقرب من الأبواب يتصيدون لحظة الهروب. (نجح أحد المرضى بفعل تمثيله لمشهد الهروب كل يوم أن يقنع الحراس بتجاهله، حتى تمكن من الهروب بالفعل.) ويظل آخرون صامتين تماما حتى إن وجه إليهم أي حديث، ويكون أهدأ أنواع المرضى هم من يظنون أنفسهم موتى بالفعل .

لا يعرف الكثير من المرضى وضعهم بالفعل، حتى أولئك الذين يعتادون عليه: «لا يوجد لديه أي إدراك للمكان، ولا ينفك يشكر الرجال الطيبين الذين يؤوونه ويطعمونه دون أن يطالبوه بالمقابل» (1874، مريض يبلغ من العمر سبعين عاما). ويقول كبير الأطباء عن هذا المريض، البالغ من العمر ثمانية وأربعين عاما: «إنه يظن نفسه في فندق يقيم فيه حتى إقلاع السفينة التي أوفدها إلى الهند.» أما عن هذا المريض ذي الثمانية والأربعين عاما من نزلاء مصحة بون سوفور، فهو يظن أنه يقيم في «منزل ريفي ساحر».

عادة ما يندرج المصابون بالخبل العقلي ضمن المرضى المسالمين غير المؤذين، لدرجة أن الأطباء ظلوا لفترة طويلة يقولون: إن مكانهم هو دار رعاية المسنين وليس مصحة الأمراض العقلية. إلا أن هذا ليس صحيحا دائما. «إنهم يجلسون معظم الوقت على كراسي كبيرة تتناسب مع عجزهم المهين، غير شاعرين بشيء، وقد عادوا إلى الطفولة الأولى عبر طريق طويل كانت كل خطوة فيه ضربا من المعاناة، ولكنهم لا يزالون أحياء، كان هذا هو كل ما يمكن أن يقال. وإذا طرأت عليهم مؤقتا عودة يائسة للنشاط، واستجمعوا شيئا من قوتهم الخامدة، فإنما يكون هذا لمحاولة إشعال النيران في فرشهم المصنوعة من القش أو خنق حارسهم؛ أي إنه حتى في هذه الحالات يكون المجنون خطيرا. إنه مشهد أليم: أيمكن أن تموت الروح قبل الموت الفعلي؟ [...] منذ بضعة أعوام، كنت في زيارة لمصحة للأمراض العقلية وتوقفت لأشاهد شيئا ما اتضح لي أنه امرأة. كانت جالسة كحطام على كرسي ضخم - إنه أمر مؤثر - وكان اللعاب يسيل من شفتها السفلى، وارتفع جفنها بالكاد عن عينها ذات النظرة المطفأة، ورأسها الحليق يظهر العظام. كان يكسوها جلد مجعد، ولها جسم شديد الهزال. ومن وقت لآخر كانت تقول بصوت أجش مسكين: «آه، آه، آه»!»

Bog aan la aqoon