Taariikhda Israa’iiliyiinta
تاريخ الإسرائيليين
Noocyada
أعيان اليهود في القطر المصري
(1) عائلة منشه (1-1) المرحوم البارون يعقوب ده منشه
كبير عائلة منشه وعميدها هو الطيب الذكر المرحوم البارون يعقوب ده منشه، ولد في مصر سنة 1810، وتوفي في الإسكندرية في شهر نوفمبر سنة 1883.
كان من أذكى الناس فؤادا وأسمحهم وجها وأكرمهم يدا وأكثرهم خيرا وإحسانا، وكان في عصره نابغة في حدة الذهن وسرعة الخاطر، واسع الاطلاع في فن الحسابات وضبطها مشهورا بالدقة والمهارة في إدارة الأعمال والنظر البعيد في معضلات الأمور، وقد درس في أيامه العلوم التي مكنته الظروف من الوصول إليها، ولما شب اقترن بالطيبة الذكر المرحومة إستير كريمة المرحوم موسى نجار، وكانت نابغة في الكمال والفضل بين نساء عصرها، وقد توفيت بعد وفاة زوجها بنحو عشر سنوات.
ورزق المرحوم البارون يعقوب منشه من البنين أربعة صبيان وثلاث بنات وهم: البارونات بخور وموسى وإيلي يوسف وقرينة نيحا بك وقرينة الخواجه نجار وقرينة فرنسيس بك، وقد توفي الذكور كلهم إلا أن اسمهم لا يزال حيا مخلدا في خلفهم الذين تفتخر الإنسانية بأعمالهم الصالحة ومبراتهم الكثيرة.
عين المرحوم البارون يعقوب منشه في أوائل شبيبته صرافا في مديرية الجيزة، ثم عين وكيلا لأشغال المرحوم حسن باشا المنسترلي والد راشد باشا الذي كان واليا على سوريا في ذلك العهد، أما سبب تعيينه وكيلا لأشغال حسن باشا المذكور فله حديث طويل نلخصه في هذا المقام، ومنه يستدل على ما كان عليه صاحب الترجمة من سمو المكانة في النباهة والذكاء والرأي الثاقب.
كان لحسن باشا عهدة في القطر المصري على أيام المرحوم عباس باشا والي مصر (والعهدة هي الأموال الأميرية التي كانت تؤخذ من الفلاح بطريق الالتزام، فأصحاب العهد كانوا يشترون قيم العهدة من الحكومة ويتكلفون عنها تحصيلها من الفلاح)، ففي ذلك الزمان حدث خلاف بين عباس باشا والي مصر وبين حسن باشا المنسترلي حتى آل الأمر إلى غضب عباس باشا عليه وانتقامه منه، فخاف المنسترلي باشا العاقبة وأيقن باستفحال خطبه وحرج موقفه، وكان ابنه راشد «باشا» لا يزال صغيرا، فأوجس خيفة عليه وحار في أمره وضاقت مذاهبه حتى لجأ أخيرا إلى البارون يعقوب منشه، وكان يعرفه جيدا وأخبره بالأمر وسلمه ابنه راشدا، فرحل البارون بالولد إلى بلاد النمسا، ومنها إلى باريس، وهناك أدخله إحدى مدارسها المشهورة التي تعلم فيها المرحومان إسماعيل باشا ومصطفى باشا، وقفل راجعا إلى النمسا واجتهد بمهارته وذكائه حتى تحصل على حماية دولتها، ومن ثم أخذ يسعى في خلاص صديقه المنسترلي باشا من نقمة عباس باشا، فأول شيء عمله أنه رفع قضية على المنسترلي باشا إلى ساحة القضاء في الأستانة، وطلب أن تكون المحاكمة في الأستانة نفسها؛ لأنه أجنبي؛ ولأن من كان في رتبة المنسترلي باشا في تلك الأيام لا تجوز محاكمته إلا في العاصمة العثمانية، فأرسلت الحكومة مركبا حربيا مخصوصا مع قومسير عثماني إلى مصر، فسافر عليه المنسترلي باشا لحضور المرافعة هناك، وبهذه الوسيلة الغريبة تمكن البارون من خلاص المنسترلي ونجاته من نقمة عباس باشا، وظل المنسترلي في الأستانة ولم يعد إلى القطر المصري بعد ذلك، وأقام البارون منشه وكيلا عنه في إدارة أملاكه وأمواله.
وكان البارون منشه يميل ميلا خصوصيا إلى راشد باشا في صغره ويحنو عليه حنو الأب على ابنه؛ ولذلك كان الولد يحبه ويدعوه أبا له فكان يناديه «بابا»، ولما كبر وظهرت عليه علائم الفضل والكفاءة لتولي الأعمال الكبيرة عين واليا على سورية، وفي ذلك الوقت زار البارون القدس الشريف فاستقبله في يافا وفد من قبل الباشا استقبالا باهرا بموكب حافل دلالة على رفعة قدره وعظيم فضله، ولما قتل راشد باشا في غضون حادثة السلطان عبد العزيز بكاه البارون بكاء الأب على ولده، ولبست عائلة منشه الحداد حزنا عليه.
وفي سنة 1869 جاء إلى القطر المصري جلالة فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا لحضور الاحتفال بافتتاح قنال السويس، فتقدم البارون لاستقباله بصفته رئيسا للنزالة النمسوية والطائفة الإسرائيلية في القطر المصري، فأكرمه الإمبراطور لما وجد فيه من محاسن الخلال وسمو المدارك وقلده وساما جليلا، ولما زار راشد باشا مدينة فينا عاصمة النمسا حظي بمقابلة الإمبراطور، فأطنب أمامه بصفات البارون الشريفة، وأطرأ أعماله الخيرية ومبراته الكثيرة، فمنحه الإمبراطور وساما آخر مع لقب شرف، وفي سنة 1875 منحه لقب بارون لقبا متوارثا له ولذريته من بعده، وهو أول من حاز هذا اللقب من الإسرائيليين في القطر المصري.
ولما بلغ هذا المقام الجليل من الجاه وعلو القدر نظر إلى الدنيا نظر الحكيم العاقل، فرأى أن النجاح الحقيقي فيها لا يتم إلا بالإقدام على الأعمال التجارية العظيمة الفائدة، لا سيما وأنه شاهد في الأقطار الأوروبية دولاب التجارة العظيم يدور بأصحابه على محور العظمة وجلالة الشأن، وينهض بالأفراد إلى سماء المجد والفخر، فحدثته نفسه الكبيرة أن ينشئ محلات تجارية بالاشتراك مع أوروبا، فكان أول مصري اهتم لهذه الأمور المفيدة، فأنشأ محلا تجاريا في مرسيليا، ومحلا آخر في ليفربول، وجرى في كل أعماله على خطة الأمانة والاستقامة مع الجد والثبات فنجح نجاحا عظيما.
Bog aan la aqoon