د- وكان من فعل الحركة في المادة على مقتضى القوانين أن تكونت السماء والأرض والسيارات والمذنبات والشمس والنجوم الثوابت والضوء والماء والهواء والجبال والمعادن والنباتات والحيوانات والأجسام الإنسانية. تكونت كلها بمحض فاعلية الحركة في الامتداد، دون أي شيء من تلك الكيفيات والقوى والصور الجوهرية التي أضافها أرسطو والمدرسيون إلى المادة، ودون علل غائية، فليس لهذه العلل محل في العلم الطبيعي، وأنى لنا أن نكشف عن غايات الله، والله على كل حال لم يتوخ غاية، وإنما رتب الأشياء بمحض إرادته الحرة. فالأجسام آلات ليس غير، بما فيها النبات والحيوان وجسم الإنسان. أما أن الحيوان عاطل من العقل، فدليله أنه لا يتكلم ونحن نشاهد أن الكلام لا يقتضي إلا قليلا من العقل. وإذا كان بعض الحيوان يفوق الإنسان مهارة في بعض الأفعال، فإنه لا يبدي شيئًا من تلك المهارة في أفعال أخرى كثيرة، فما يفوقنا فيه لا يدل على عقل وإلا لكان حظه منه أكبر من حظنا ولأجاد سائر الأفعال، ولكنه يدل على أن لا عقل لله وأن الطبيعة هي التي تعمل فيه. كذلك ليس للحيوان شعور وعاطفة؛ لأن العاطفة ضرب من الفكر. وقد ظن ديكارت أن رأيه هذا تأيد باكتشاف وليم هارفي للدورة الدموية سنة ١٦٢٨، أي: حين بين هذا العالم أن الدم لا يجري في الجسم بقوة ذاتية، بل إن انقباض القلب هو الذي يدفعه، فاعتقد ديكارت أن قوانين الحركة تنطبق أيضًا على الجسم الحي، وأن في الأعصاب "أرواحًا حيوانية" هي أدق أجزاء الدم وأسرعها حركة، بحركاتها تفسر جميع الأفعال الحيوية الجسمية، ومثل هذه الأفعال مثل حركاتنا اللاإرادية، كمد اليدين إلى أمام في حركة السقوط، فإنها حادثة عن تحرك الأرواح الحيوانية بتأثيرات غير مشعور بها. فإذا كان الحَمَل يهرب عند رؤية الذئب؛ فذلك لأن الأشعة الضوئية الصادرة عن جسم الذئب إلى عين الحمل تحرك عضلاته بوساطة تيارات الأرواح الحيوانية؛ ويمكن تفسير عودة السنونو في الربيع كما نفسر دقّ الساعة في فترات راتبة. وإذن فجميع الأجسام آلات دقيقة الأجزاء كثيرة التعقيد عجيبة الصنع؛ ولكنها آلات على كل حال تعمل بالحركة فحسب. والعالم في مجموعه آلة كبرى أو علم الميكانيكا متحقق بالفعل، ولئن فاته بهاء الألوان ونغم الأصوات وشذا الروائح وكل ذلك الجمال الذي تتوهمه فيه الفلسفة الناسجة على
1 / 81