فكري: الضوء واللون والصوت والرائحة والطعم والحرارة، كل هذه انفعالات ذاتية، أفكار غامضة أضيفها خطأ لذلك الميل الطبيعي، وأتخذها أساسًا لمعرفة ماهيات الأجسام، وليس في الأجسام شيء يشابهها، وليس لها من غاية سوى إرشادي إلى النافع والضار فأكيف مواقفي في الحياة تبعًا لذلك. فديكارت يستبعد "الكيفيات الثانوية" ويستبقي "الكيفيات الأولية" مع كونها جميعًا إحساسات وانفعالات، مستندًا إلى مفهوم فكرة المادة وإلى صدق الله.
ج- هذه المادة الهندسية لامتناهية المقدار من حيث إنه يستحيل وضع حد للامتداد. وديكارت يعوِّل هنا على الامتداد المتخيل لا الامتداد المعقول، فإن المخيلة لا تقف عند حد في تخيلها إذ إنها لا تتخيل إلا المحسوس؛ أما العقل فيستطيع الحكم بوجوب الحد متى علم أن المادة الموجودة بالفعل متشكلة بالضرورة ومن ثمة محدودة بالضرورة. وهذه المادة الهندسية مقسمة إلى أجزاء غير متناهية، فليس هناك جواهر فردة أو أجزاء لا تتجزأ من حيث إن كل امتداد مهما صغر قابل للقسمة إلى جزأين وهكذا إلى غير نهاية. وهذه المادة الهندسية ملاء لا يتخلله خلاء؛ لأن الخلاء امتداد، والامتداد مادة "عند المخيلة كما تقدم" بحيث تفسر كل حركة بأن الجسم المتحرك يطرد الجسم المجاور له ليحل في مكانه، وهكذا إلى ما لا نهاية. فالحركة في العالم دائرية، والمادة متحركة حركة متصلة، حركها الله منذ الخلق، وشرع للحركة قوانين. هذه القوانين تستنبط من فكرة ثبات الله؛ وأولها "أن كل شيء يبقى على حاله طالما لم يعرض له ما يغيره"؛ ومن هذا القانون يلزم قانونان: أحدهما "أن مقدار الحركة "المحدثة عند الخلق" يبقى هو هو في العالم لا يزيد ولا ينقص"؛ والآخر "أن كل جسم متحرك فهو يميل إلى الاستمرار في حركته على خط مستقيم" وهذا قانون القصور الذاتي، وديكارت أول من وضعه عن بينة، وقد يكون وصل إليه بتأثير كبلر. هذه القوانين الثلاثة تنطوي على جميع قوانين الحركة، وكلها ثابتة بثبات الله ١. فهنا أيضًا يلجأ ديكارت إلى الله لكي يقيم أركان علمه الطبيعي؛ ولكن هل يمنع ثبات الله من حدوث التغير في الطبيعة؟ ومن يدرينا، لعل الله أراد بإرادة واحدة أن توجد قوانين معينة وقتًا ما، ثم أن تحل محلها قوانين أخرى؟
_________
١ "مبادئ الفلسفة" القسم الثاني، فقرت ٢١، ٢٢، وما بعدها.
1 / 80