وعلى إثر ذلك جمع الحجاج جيشه، وجاءته الإمدادات من سورية، فتقابل الجيشان بالزاوية، فانكسرت جيوش ابن الأشعث، فاضطر إلى الخروج من البصرة، فخرج منها وسار إلى الكوفة. أما الحجاج: فإنه ولى على البصرة أميرها السابق الحكم بن أيوب الثقفي، وسار هو بجيوشه في إثر ابن الأشعث، وبعد حروب استمرت مدة طويلة انتصر الحجاج انتصارا نهائيا في جمادى الآخرة سنة 83ه، وفر ابن الأشعث إلى سجستان، وهناك مات منتحرا.
وفي أيامه في سنة 80ه حدث بالبصرة طاعون، فمات به خلق كثير، وفر منه عدد كبير من البصريين، وتفرقوا في البلاد.
ولما مات عبد الملك بن مروان في سنة 86ه الموافقة لسنة 705م وتولى ابنه الوليد؛ أقر الحجاج على العراق وخراسان والشرق كله، وفي سنة 87ه ولى الحجاج البصرة الجراح بن عبد الله العكي، ثم مات الحجاج في سنة 95ه الموافقة لسنة 713م بمدينة واسط التي بناها في سنة 81ه، بعد أن حكم العراق زهاء عشرين سنة. (8-8) استيلاء ابن المهلب على البصرة
كان الحجاج لما حضرته الوفاة قد استخلف على حرب المصرين يزيد بن أبي كبشة، وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم، وعلى الصلاة ابنه عبد الله بن الحجاج، فأقرهم الوليد بن عبد الملك، ثم ولى إمارة العراق في السنة نفسها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وذلك في سنة 95ه.
فلما مات الوليد في سنة 96ه/714م وبويع لأخيه سليمان بن عبد الملك ولى العراق يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، فأقام يزيد بالبصرة، فلما كانت سنة 97ه نقله إلى ولاية خراسان، وولى على البصرة بدله عبد الله بن هلال الكلابي، ثم عزله في سنة 98ه وجعل مكانه سفيان بن عبد الله الكندي.
ولما مات سليمان بن عبد الملك في سنة 99ه الموافقة لسنة 717م وتولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ولى على البصرة عدي بن أرطأة الفزاري، وولى قضاءها إياس بن معاوية بن قرة بن إياس بن هلال القاضي المشهور، وفي السنة نفسها عزل عمر يزيد بن المهلب عن خراسان، وأمر بالقبض عليه وإحضاره، وكان يزيد يومئذ في خراسان، فأقبل منها يريد العراق، فلما دخل البصرة قبض عليه أميرها عدي بن أرطأة، فحبسه ثم أوثقه، وبعثه مخفورا إلى عمر بن عبد العزيز بدمشق، فلما حضر سأله عمر عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك، فقال يزيد: «كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت، وإنما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس، وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني به»، فقال عمر: «لا أجد في أمرك إلا حبسك، فاتق الله، وأد ما قبلك، فإنها حقوق المسلمين، ولا يسعني تركها»، فلما لم يجد عمر عند يزيد عذرا مقبولا أمر بحبسه بحصن حلب، واستمر يزيد بن المهلب في سجنه، فلما مرض عمر بن عبد العزيز مرضه الذي مات فيه في سنة 101ه/720م حس ابن المهلب بقرب موت عمر، فأعد للهرب عدته خوفا من يزيد بن عبد الملك لعداوة بينهما، فانهزم من السجن قاصدا البصرة، وكتب إلى عمر: «إني والله لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك، ولكني خفت أن يلي الخلافة يزيد بن عبد الملك فيقتلني شر قتلة» فوصل كتابه وبعمر رمق فقال: «اللهم إن كان يريد بالمسلمين سوءا فألحقه به، وهضه فقد هاضني.»
ومات عمر بعد أيام قليلة، وتولى مكانه يزيد بن عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك يزيد بن المهلب فخلع طاعة بني مروان، ولحق بالبصرة، ودعا لنفسه، فاجتمع حوله خلق، وبلغ جيشه مائة وعشرين ألف مقاتل، فحمل على البصرة بعد أن استولى على أطرافها وعلى فارس والأهواز، فحصن البصرة أميرها عدي بن أرطأة، ودافع عنها دفاعا شديدا، وبعد حروب استولى ابن المهلب على البصرة، وقبض على عدي وجماعة من أصحابه فحبسهم، واستعمل الشدة، فهرب جماعة من أعيان البصرة إلى الشام وجماعة إلى الكوفة، وذلك في سنة 101ه/720م، وقوي أمر ابن المهلب، فخافه يزيد بن عبد الملك، فجهز جيشا كبيرا من الشام بلغ عدده ثمانين ألف مقاتل، وسيره تحت قيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك، وأرسل معه ابن أخيه العباس بن الوليد، وذلك في سنة 102ه.
أما ابن المهلب فإنه لما بلغه قدوم جيش ابن عبد الملك استعد لملاقاته، وجمع أهل البصرة فخطب فيهم، ودعاهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وحثهم على جهاد بني أمية، وزعم أن قتال أهل الشام أعظم ثوابا من قتال الترك والديلم، فانضم إليه من البصريين عدد كبير، فلما تهيأ للمسير اصطف له البصريون صفين، وقد نصبوا الرايات والرماح وهم ينتظرون خروجه، ويقولون: «يدعونا إلى سنة العمرين»، فاتفق أن مر الحسن البصري سيد فقهاء أهل البصرة، فرأى الرايات والرماح وصفوف البصريين فقال: «كان يزيد بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين ترون، ثم يسرح بها إلى بني مروان يريد بهلاك هؤلاء القوم رضاهم، فلما غضب غضبة نصب قصبا، ثم وضع عليها خرقا، ثم قال: «إني قد خالفتهم فخالفوهم»، فقال هؤلاء القوم: «نعم»، وقال: «إني أدعوكم إلى سنة العمرين، وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى محبس عمر الذي فيه حبسه»، ويروى أن الحسن كان ممن حضر خطبة ابن المهلب، فلما سمعها قال: «والله لقد رأيناك واليا وموليا فما ينبغي لك ذلك»، فقام الناس فأسكتوه خوفا من أن يسمعه ابن المهلب.
ثم ولى ابن المهلب أخاه مروان على البصرة - وقيل: استخلف على البصرة ابنه معاوية - وخرج بجيوشه حتى أتى واسطا، فأقام بها أياما، ثم سار منها حتى نزل العقر، وأقبل مسلمة بن عبد الملك فنزل بجيوشه على ابن المهلب، فاشتبكوا في القتال، فكانت بين الفريقين حروب هائلة دامت ثمانية أيام، فلما حمي وطيس الحرب تفرق أصحاب ابن المهلب، وثبت معه البصريون، فاستمات ابن المهلب، وهجم بأصحابه الصادقين هجمات هائلة لم يسمع بمثلها حتى قتل في يوم الجمعة 12 صفر سنة 102ه، وقتل معه أخوه حبيب بن المهلب
42
Bog aan la aqoon