وأصر طلحة والزبير وعائشة على الحرب، فعبأ الزبير الجيش وتولى قيادته العامة، وجعل طلحة على الفرسان، وعبد الله بن الزبير على المشاة، ومحمد بن طلحة على القلب، ومروان بن الحكم على المقدمة، وعبد الرحمن بن عبادة على الميمنة، وهلال بن وكيع على الميسرة.
وعبأ علي جيشه؛ فجعل على المقدمة عبد الله بن عباس، وعلى المؤخرة هند المرادي، وعلى الفرسان عمار بن ياسر، وعلى المشاة محمد بن أبي بكر، وسلم رايته إلى ابنه محمد بن الحنفية.
فلما تهيأ الفريقان للقتال أمر علي مناديا فنادى في أصحابه: «لا يرمين أحد سهما ولا حجرا، ولا يطعن برمح حتى أعذر إلى القوم فأتخذ عليهم الحجة البالغة.» ثم خرج علي على بغلة النبي الشهباء، ووقف بين الجيشين، فنادى الزبير وطلحة فخرجا إليه، فقال للزبير: «ما الذي حملك على هذا؟» قال: «لأني أراك لست أهلا لهذا الأمر»،
25
فالتفت علي إلى طلحة فقال: «جئت بعرس النبي تقاتل بها، وخبأت عرسك بالبيت، أما بايعتني؟» قال: «بايعناك والسيف على أعناقنا.» ثم قال علي لهما: «استحلفا عائشة بحق الله وبحق رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها ؛ هل تعلم رجلا في قريش أولى مني برسول الله، وإسلامي قبل كافة الناس، وكفايتي رسول الله كفار العرب بسيفي ورمحي، وعلى براءتي من دم عثمان، وعلى أني لم أستكره أحدا على بيعة، وعلى أني لم أكن أحسن قولا في عثمان منكما»، ثم وجه عتابه نحو الزبير وذكره بأمور كان قد نسيها، فرق له الزبير، أما طلحة فإنه أغلظ له القول في الجواب، ثم انصرفوا إلى مواضعهم.
وأراد علي حقن الدماء فأرسل من ينصح الثائرين ويردعهم، فجرت بين الفريقين مراسلات حتى كاد الصلح أن يتم بها، وشاع بين الجيشين خبر الصلح فاستبشروا بالخير، فلما جن الليل اجتمع الذين اشتركوا في قتل عثمان، وتشاوروا على انتشاب الحرب؛ لأنهم خافوا إن تم الصلح أن يقتلوا بعثمان، فأوقدوا نار الحرب مع الغلس فجفل الناس وتصادموا، وهجم بعضهم على بعض، واستعرت نار الحرب، ونسب كل فريق إلى الفريق الآخر الغدر، وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال: «أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله أن يصلح بك»، فركبت على جملها في هودج قد ضربت عليه صفائح الحديد حتى لا تخرقه النبال فتصيبها، وبرزت من البيوت حتى وقفت في وسط جيشها والناس يقتتلون. فقال الزبير لابنه عبد الله: «يا بني، عليك بحربك، أما أنا فراجع إلى بيتي»، فقال عبد الله: «الآن وقد التقت حلقتا البطان، واجتمعت الفئتان؟ والله لا نغسل رءوسنا منها»، فقال الزبير: «يا بني، لا تعد هذا مني جبنا، فوالله ما فارقت أحدا في جاهلية ولا إسلام»، قال: «فما يردك؟» قال: «ما إن علمته كسرك.»
فانصرف الزبير إلى البصرة، ومنها سار قاصدا مكة، فقتله عمرو بن جرموز المجاشعي غدرا
26
بوادي السباع، فتولى القيادة العامة عبد الله بن الزبير، بينما عائشة واقفة إذ فاجأتها الهزيمة، وشرعت جموعها تفر نحو البصرة، فأطافت الخيل بالجمل، وكان البصريون يحمونه، ويقاتلون دونه إكراما للتي عليه. فقالت عائشة لكعب بن سور: «خل عن الجمل، وتقدم بالمصحف فادعهم إليه»، وناولته مصحفا، فاستقبل القوم، فرموه رشقا واحدا فقتلوه، ورموا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: «البقية البقية يا بني»، ويعلو صوتها: «الله الله، اذكروا الله والحساب»، فيأبون إلا إقداما، وبالأخص أهل الكوفة؛ فلما رأى المنهزمون ذلك عادوا ورجعوا في أمر جديد، وصارت عائشة تشجعهم على القتال، وتحضهم على بذل أرواحهم في سبيل نيل الانتصار، فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، ثم رجعوا فتقاتلوا، وكان طلحة قد قتل،
27
Bog aan la aqoon