لما انصرف من بم دخل المفازة وصار إلى سجستان ومعه أبو موسى خواجة بن سياهجنك وأبو محمد القاسم بن مهدر فروخ والديلم المأسورون وحصل على باب البلد. فخرج اليه خلف أبوه وقاتله وجرت بينهما وقائع كثيرة فى أيام متتابعة ووقف الأمر فى المناجزة. وراسل الديلم المأسورون طاهر ابن خلف وكانوا من الأعيان المذكورين والشجعان المشهورين وبذلوا له فتح البلد وأخذه إذا اطلقهم وأعطاهم من السلاح ما يرضيهم وشرطوا عليه تخليتهم إذا بلغ مراده بهم ليرجعوا الى منازلهم. فتقبل البذل منهم والتزم الشرط لهم وأفرج عنهم وسلم إليهم سلاحا اختاروه وقاتلوا قتالا شديدا وأبلوا بلاء كثيرا ونصرهم الله تعالى وأجرى الفتح على أيديهم وملك طاهر وصعد أبوه إلى قلعة له تعرف بقلعة الحبل، على خمسة فراسخ من البلد، وتحصن بها ووفى طاهر للديلم بما وافقهم عليه وأعطاهم وخلع عليهم وحملهم وزودهم وخلى لهم عن سبيلهم. وبقي أبو موسى وأبو محمد فى يده. فأما أبو موسى، فإنه قرر عليه صلحا صح له بعضه وكان أولاده على حمل باقيه وتوفيته، فعاجلته المنية وترامى به جرح الضربة التي أصابته فى رأسه الى الوفاة، لأنها وقعت فى موضع ضربة قديمة، واستقام أمر طاهر وأقام أبو محمد القاسم عنده. وشرع خلف فى أن يفسد على ابنه ويصرف الديلم عنه. فلم يتم له ذاك لأنهم [50] كانوا مائلين اليه وحاول الفساد للرعية أيضا. فكانت رغبتهم فى ابنه أفضل منها فيه لسوء معاملة الشيخ لهم وقبح سيرته بهم وإن أظهر من التمليس ما كان يظهره حتى إذا اعتاد الفساد على هذه الوجه عدل الى اعمال الحيلة وراسل ابنه وقال له: - «قد أخذنا من المقاطعة بأكثر حظ وانتهينا فيها الى أبعد حد، وتأملت امرى فلم أجد لى ولدا باقيا غيرك ولا خلفا مأمولا سواك، ووجدتني قد كبرت وتقضى عمرى إلا القليل وقد رأيت أن أسلم الأمر والبلد والقلعة وما لى فيها إليك وأزيل الوحشة العارضة بيني وبينك وأتوفر على أمر الله تعالى فى المدة الباقية لى معك وأقتصر على البلغة من العيش فى كنفك ومن يدك.
فإنى لست آمن أن يقضى الله تعالى على قضاءه، فيستولى على هذه القلعة من فيها ويخرج مالي ونعمتي وما جمعته طول تدبرى إلى غير ولدي ومن بقاؤه بقاء ذكرى.» ولم يزل يراسله ويطمعه حتى استغره وخدعه وتقرر بينهما أن يركب ابنه إلى أسفل القلعة وينزل خلف ويجتمعا على قنطرة كانت لخندق من دونها ويشاهد كل واحد منهما صاحبه ويوصى خلف إليه ويعرفه ماله ومواضعه.
وركب طاهر وحده وجاء إلى تحت القلعة ونزل خلف على مثل هذه الصورة والتقيا على القنطرة وقبل طاهر يد أبيه وعانقه أبوه وضم رأسه إلى صدره وكان تحت القنطرة فى حافات الخندق دغل كثير من بردى وحشيش يستتر فيه المستتر به، وقد كمن له خلف مائة رجل فى أيديهم سيوف. فلما ضمه خلف إلى صدره بكى بكاء أجهش فيه حتى علا صوته ، وخرج القوم [51] فأمسكوا طاهر وأصعدوا به الى القلعة وقتله خلف وغسله بيده ودفنه. وتأدى الخبر الى أصحاب طاهر فاستسلموا لخلف وسلموا البلد إليه وعاد إلى موضعه منه.
وتوصل أبو محمد القسم الى أن أحضر جمازات وأكرادا وجعلها على قرب منه ثم خرج وركبها وهرب وصار الى شيراز فقلد العرض ووزر بعد ذلك على ما نذكره فى موضعه.
Bogga 450