Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Noocyada
الثناء عليهما بما أظهرا من ذلك، كما قصد الآخر أن يأكل به لا منفعة في ذلك لأحد. وأما قصة القوس فقد قال فيها أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن مغيرة [38-ب] بن زياد، عن عبادة بن نسي، عن الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن الصامت، قال: علمت ناسا من أهل الصفة
43
الكتاب والقرآن، فأهدى لي رجل منهم قوسا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله، لآتين رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فلأسألنه. فأتيته، فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى لي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله. فقال: إن كنت تحب أن تكون طوقا من النار فاقبلها. وقال: حدثنا عمر بن عثمان، وكثير بن عبيد، قالا: حدثنا معبد، قال: حدثني بشر بن عبد الله بن بشار. قال عمرو: قال حدثني عبادة بن نسي، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت بنحو هذا الخبر، والأول أتم، فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها. قال أبو الحسن: هذه الأسانيد ليس بمثلها [39-أ] تضيق ما دلت الأسانيد الصحيحة على جوازه وسعته، ولو ثبت نقل حديث هذا القوس على ما ذكر، لتوجه إلى معان: منها أن هذا المعلم إنما كان يعلمه لله، لا يرجو على ذلك من المتعلم أخذ شيء من الدنيا، فيمكن أن يكون هذا المتعلم ممن لا يصلح أن يقبل منه تطوع عطائه؛ ورأى هذا المعلم أن القوس ليست مالا كما قال، وإنما هي آلة يستعان بها في الحرب. ولعل معطيها لا يصلح لشهود الحرب، فرأى المعلم أن أخذه إياها ليقاتل بها في سبيل الله يتسع له، فأخذها ليستشير فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، كما نص في حديث أبي داود هذا له، فقال له: إن كنت تحب أن تطوق طوقا من النار فاقبلها. فمثل له العقوبة في أخذها بما جاء من العقوبة في أكل أموال اليتامى ظلما،
إنما يأكلون في بطونهم نارا (النساء: 10)، والقوس ليست تؤكل [39-ب] إنما توضع على العنق وبين الأكتاف، لأنها تتقلد؛ إذ رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن أخذه إياها من الظلم لدافعها؛ إذ ليس ذلك واجبا عليه، إذ كان تعليمه من وجه الصدقة عليه، وهو ممن لا يصلح له أن يعطي. ويمكن أن يكون هذا كما قال ابن حبيب على أثر روايته لقصة القوس: إنما تأويل هذا النهي، ومعنى هذا الحديث، أن ذلك كان في مبتدأ الإسلام، وحين كان القرآن قليلا في صدور الرجال، غير فاش ولا مستفيض في الناس، وكان الأخذ على تعليمه يومئذ، وفي تلك الحال، إنما ثمنا للقرآن. وأما بعد أن صار فاشيا في الناس، قد أثبتوه في المصاحف، وصارت المصاحف وما فيها مباحة للجاهل والعالم، وللقارئ وغير القارئ، غير محجوبة ولا ممنوعة، ولا مطلوبة إلى قوم [40-أ] دون قوم، ولا مخصوص بها قوم دون غيرهم، فإنما الإجارة على تعليمه، إجارة البدن المشتغل بذلك، وليس ثمنا للقرآن، كما أن بيع المصاحف إنما هو بيع للرقوق والخط والصنعة، وليس بيعا لما فيها؛ لأن الذي فيها موجود غير مطلوب إلى أحد، ولا محجوب عن أحد، ولا ممنوع من أحد، ولا مخصوص به بائع المصحف دون مشتريه. وكذلك تعليم ما في المصاحف إنما هو ثمن وإجارة للمعلم في اشتغاله بمن علمه، وانفراده بمن علمه، وشغل نفسه بمن قعد لتعليمه. وقد علم الكتاب والقرآن رجال من أئمة هذا الدين، لم يروا به لأنفسهم بأسا ولم ير لهم به بأس.
قال أبو الحسن: يريد ابن حبيب بقوله: وصارت المصاحف مباحة غير محجوبة ولا ممنوعة، أي من أراد شراءها أو اكتتابها، وجد ذلك ممكنا؛ فإذا كان كذلك [40-ب] وكذلك أيضا من أراد أن يتعلم القرآن من عند المعلمين يجده كثيرا غير محجوب ولا ممنوع، إذا أعطى عليه الإجارة، كما يعطي الثمن في المصاحف ليشتري منها ما يجوز شراؤه، كذلك يؤاجر من المعلم ما يجوز إجارته من اشتغاله به، وحركاته في تعليمه. وهذا كله حسب ما قدمت لك من البيان، كله يؤكد بعضه بعضا، ويجيز إجارة المعلم على تعليم القرآن، ويجيز للمعلم أن يأخذ الأجر على ذلك، ولا يضره أخذ الأجر شيئا إذا وفى بشروط التعليم، وقد قدمت لك قول مالك عن كل من أدرك أنهم يجيزون إجارة المعلمين. وقد قال سحنون: قال ابن وهب: قال مالك: لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن، وإن اشترط شيئا كان له حلالا جائزا، ولا بأس [41-أ] بالاشتراك في ذلك، وحق الختمة له واجب، اشترطها أو لم يشترطها، وعلى ذلك أهل العلم ببلدنا.
Bog aan la aqoon