195

Tarbiya Fi Islam

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Noocyada

ومن الآراء التي تجعلنا نضع القابسي في سجل المبرزين، المناداة بالتعليم الإلزامي، فهذا الرأي من أدلة التقدم، ولم تأخذ به الحضارة الحديثة إلا في عصور متأخرة، ولا تزال الدول تنادي به عاملة على نشر التعليم بجميع الوسائل، ليتزود من نور المعرفة جميع أفراد الأمة.

والذين قصروا التعليم على طبقة معينة، وحرموا أغلب الشعب من نعمة المعرفة إنما كانوا ينظرون إلى مصلحة طبقتهم؛ لينعموا بالسلطان والثروة والجاه، لأن العلم يفتق الأذهان، ويبصر الإنسان بحقوقه وواجباته، ويدفعه إلى المطالبة بهما.

وهذه هي الأنانية المتأصلة في النفوس.

وقد برزت إلى العالم أفكار جديدة، تحمل في طياتها روح الإيثار والخير للإنسانية كافة ، ليشارك الناس في الحقوق وليتمتعوا بالحرية والإخاء والمساواة.

إن حرمان فريق من الناس التعليم، هو القتل الأدبي. لأنك تقبر العقول، وتطمس الأذهان، ولعل هذه العقول إذا زالت عنها غشاوة الجهل أن تتفتق عن الخير والحق، والعمل الصالح للإنسانية بما لا يستطيع أن يفعله أبناء الأغنياء.

وقد عادت الدول الإسلامية إلى نوع من الأرستقراطية الحادة، خصوصا في العصور المتأخرة، حيث انطوت الطبقة الرفيعة على نفسها، وعلت على العامة علوا كبيرا. ولم يكن الحال كذلك في صدر الإسلام، ولا تتفق هذه النزعة مع الروح الصحيح للإسلام. والدليل على هذه الأرستقراطية هو اتخاذ الأمراء ومن شاكلهم المؤدبين لأبنائهم حتى لا يختلطوا بأبناء العامة في الكتاتيب، وقد أشار إلى ذلك الجاحظ في (البيان والتبيين) كما ذكرنا عند تقسيمه المعلمين قسمين؛ قسما يعلم أبناء الملوك والأمراء، وقسما يعلم أبناء السوقة. وأشار ابن سينا في (كتاب السياسة) إلى هذه النزعة أيضا، فلم يقرها، وآثر لمصلحة التعليم وفائدة الطفل أن يشترك مع غيره من الصبيان.

أما القابسي فإنه خاطب الجمهور، وفكر في مصلحته، ونظر في فائدة أبنائه، وأهمل الكلام على الأمراء والأشراف، فلا نجد إشارة إلى هؤلاء المؤدبين الذين يصحبون أولاد الملوك لتعليمهم وتأديبهم.

ونحن نميل إلى الاعتقاد أن القابسي أهمل الحديث عن المؤدب الخاص قصدا؛ لأنه لا ينزله منزلة الاعتبار، ولا يريد أن يعترف له بالوجود، حتى يتعلم أبناء المسلمين جميعا في مكان واحد، ويتلقوا المعرفة عن معلم واحد، فلا تتسع الهوة بين الطبقات، وتسود النزعة الإسلامية الصحيحة.

ومما يدل على صحة الرأي الذي ننسبه إلى القابسي، ما ذكره عند الكلام على أجر المعلم من أن بعض الصبيان يدفع أجرا أكثر من غيره، وأن بعض الصبيان يقدم للمعلم هدايا لا يستطيع غيرهم أن يقدمها، وأن هذا الاختلاف في الجعل ينبغي ألا يترتب عليه اختلاف في التعليم، بل على العكس ينبغي أن تكون معاملة المعلم للصبيان على قدم المساواة. ومن الطبيعي أن هؤلاء الذين يدفعون أجورا عالية، إنما هم من أبناء الأغنياء لا الفقراء، وفي هذا الدليل على افتتاح أبواب الكتاتيب لجميع الصبيان على السواء، من غير اختصاص الموسرين بالمؤدبين على انفراد.

فالقابسي حين يطالب بتعليم أبناء المسلمين جميعا، القادر منهم وغير القادر، والموسر والمعسر، بل المعدم، وحين يقدم إليهم لونا واحدا وثقافة واحدة لا يخص بها أحدا دون أحد، إنما يجري في طريق التقدم العقلي، ويشرف على الإنسانية من سماء العدل والحق والخير.

Bog aan la aqoon