Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Noocyada
1
والأستاذ كارا دي فو من المستشرقين الذين تعد كتبهم الفلسفية عمدة في البحث. ولعل له عذرا في الحكم على المسلمين بإهمال شأن تربية الأطفال وتعليمهم؛ لأنه لم يقع على كتب إسلامية توضح معالم هذا الفن عند المسلمين.
ولو وقع الأستاذ كارا دي فو على رسالة القابسي المخطوطة لغير من رأيه، وخفف هذا الحكم الذي ينسب إلى المسلمين الجهل بموضوع التربية، خصوصا تربية الأحداث والصبيان، ثم الاعتماد التام على المسيحيين من العرب، وما قاموا بترجمته في هذا الفن عن اليونانية وغيرها.
وقد تبين لنا أن المسلمين ألفوا في التربية كتبا مستقلة، منها كتاب ابن سحنون ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث الهجري، ومنها كتب متأخرة عن هذا التاريخ بعضها مطبوع وبعضها لا يزال مخطوطا، وقد أشرنا إلى هذه الكتب في الفصل السابق الخاص بآراء العرب في التربية والتعليم؛ وإلى جانب ذلك نجد فصولا كثيرة متناثرة خلال مؤلفات الفقه، وكتب الفلسفة وموسوعات الأدب، تتحدث عن تعليم الصبيان، وتصف أحوالهم، وتبين أحكام التعليم.
وهذه الكتب والرسائل والشذرات أغلبها إسلامي بحت، يغلب عليه الروح الإسلامي، وعلى الأخص ما ذكره الفقهاء في كتب الفقه.
ورسالة القابسي تزيل الوهم الذي علق بالأذهان من أن المسلمين لم يعنوا بتعليم الصبيان، وتثبت أن المسلمين ابتكروا في التربية آراء جديدة لم يصطنعوها عن العرب المسيحيين، أو ينقلوها عن التراجم اليونانية واللاتينية التي قام النقلة من المترجمين بتقديمها إلى العالم العربي.
وهذه الرسالة دليل على تأصل الميل إلى فن التعليم، والاهتمام بالطفل، والاشتغال بالبحث والتنقيب، والتفكير في المسائل من جميع أطرافها وزواياها، رغبة في التقدم والرقي.
فإذا نظرنا إلى رسالة القابسي في أحكام المتعلمين، وأحوال المعلمين والمتعلمين، من جهة ما جاء فيها من آراء مفصلة وحل للمشكلات المعضلة، وتسجيل لجميع الأمور التي تخص التعليم والتأديب، فالرسالة عظيمة القدر بالغة الأهمية.
وإذا نظرنا إلى القابسي كأحد المربين في الإسلام، فهو صاحب رأي، وصاحب رسالة ترفع اسمه إلى قائمة قادة التربية، ولا سيما إذا عرفنا أنه عاش في القرن الرابع الهجري، أي في صميم القرون الوسطى، التي يعدها المؤرخون من عصور الظلام والتأخر في حياة العالم.
ذلك أن الميزان الذي يقاس به قاعدة الفكر وزعماء الرأي هو سبقهم للزمان، والتقدم في سبيل الرقي لبني الإنسان. وطريق الرقي هو الطريق الذي يميز عالما عن آخر، ويرفع المفكرين إلى قوائم المجد والتخليد.
Bog aan la aqoon