Tarjamada Masaarida iyo Galbeedka
تراجم مصرية وغربية
Noocyada
محمد قدري باشا
نقلت هذه الصورة عن مجلة المقتطف الغراء.
من الكتب ما ينبه ذكره ويعظم أثره بمقدار يجني على ذكر المؤلف حتى ليكاد يعفي خبره، من هذا الطراز كتب ثلاثة ما يغيب اسم واحد منها عن ذاكرة محام ولا قاض ولا طالب حقوق ولا رجل من رجال الشرع الإسلامي، هذه الكتب الثلاثة هي: «مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان في المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان»، وكتاب «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية»، وكتاب «قانون العدل والإنصاف للقضاء في مشكلات الأوقاف»، بل إن معرفة هذه الكتب لا تقف عند رجال القانون والشرع، بل تمتد كذلك إلى عدد عظيم من سواد الناس، فقد نظمت ثلاثتها أحكام الشريعة على مذهب أبي حنيفة في تقنين ذي مواد يفي بحاجة كل من يهمه الوقوف على هذه الأحكام، إذ يجدها مبوبة مرتبة مدققا في اختيار ألفاظها حتى تعني مدلولاتها على صورة من التحديد الدقيق الذي يقضي به فن الفقه القانوني، وهذه الكتب الثلاثة هي الأولى والأخيرة في بابها؛ ولذلك نبه ذكرها وعظم أثرها وتناول الناس ما فيها بالدراسة، فإذا سألت أكثرهم عن واضعها قيل لك هو قدري باشا، لكن أكثر الناس لا يعلمون من أمر قدري باشا إلا اسمه، وإلا أنه واضع هذه الكتب الثلاثة، وقد يكون ذلك كافيا لتاريخه، فهذه الكتب الثلاثة هي في الحق أثر كاف لتخليد واضعه، وإذا كان نابليون قد جعل من قانونه المدني عنوان مجده واعتبر ما إلى جانب ذلك من مجد النصر والظفر وحكمه العالم ثانويا، فكتب قدري باشا في تقنين أحكام الشرع في المعاملات والأوقاف والأحوال الشخصية عنوان مجد باق على الزمان.
لكن، من كان قدري باشا؟ وماذا كان تاريخ حياته؟ لا بد أنه كان فقيها عظيما من علماء الأزهر معهد دراسة الشريعة الإسلامية وموضع العناية بها، فالرجل الفذ الذي يقنن شريعة من الشرائع يجب أن يكون من أساطين رجال هذه الشريعة، فليس طبيعيا أن يخرج هذا المعهد الألوف من العلماء والفقهاء ثم يكون من يقنن الشرع غيرهم! غير أن الواقع أن قدري باشا لم يكن منهم ولم ينخرط في سلكهم، ولم ينضم إلى زمرتهم، وكتبه الفقهية هذه ليست كل تواليفه وإن كانت أبقاها وأخلدها، فقد كانت تربيته ودراسته مدنية بحتة، وكانت الوظائف التي تقلدها بعيدة عن أن تمس الأزهر الشريف أي مساس.
وقد ولد بملوي حوالي سنة 1821 من أب أناضولي هو قدري أغا الذي كان من أعيان بلد وزير كوبرلي، وحين جاء إلى مصر أقطعه والي مصر بعض العزب بمركز ملوي على طريقة الالتزام التي كانت معروفة يومئذ، فتزوج من مصرية أولدها ولده محمدا وأدخله مدرسة صغيرة بملوي، حتى إذا أتم الدراسة بها بعث به إلى القاهرة في مدرسة الألسن حيث أتم بها دراسته وعين فيها مترجما مساعدا.
وكانت مدرسة الألسن هي المعهد الذي أسس لبث الثقافة الحديثة في مصر، فقد أدرك أهل ذلك العصر إدراكا تاما أن المدنية الغربية قوية التيار جارفته، وأن الحضارة الإسلامية التي يمثلها الأزهر أصبحت غير قادرة على الوقوف في وجه هذا التيار، كما أنها كانت قد جمدت على تعاليم لا تقبل أن تطعم بالتعاليم الحديثة، فلا يمكن معالجة التوفيق بين المذهبين، وكانت اللغات - أو الألسن على ما كانوا يسمونها يومئذ - هي موضع عناية مدرسة الألسن الكبرى، فكانت تدرس فيها اللغات التركية والفارسية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وكانت العناية فيها باللغة العربية عناية فائقة يدل عليها ما وضعه الذين تخرجوا منها وما ترجموه من كتب ومؤلفات كثيرة، قال قدري باشا صاحب هذه الترجمة في كتابه (معلومات جغرافية) الذي نشر في سنة 1869: «وقد ترجم تلاميذ هذه المدرسة أكثر من ألفي مجلد.» وأتى بأسماء كثير ممن ترجموا والفنون التي ترجموا كتبها الغربية، وكان القصد من تعليم هذه (الألسن) والقيام من بعد ذلك بترجمة الكتب في مختلف الفنون نقل الحضارة الغالبة إلى مصر ليتمكن أهلها من السير سيرة أهل أوربا، ولعل أكثر ما ترجم إنما ترجم عن اللغة الفرنسية، فقد تأثرت مصر بالثورة الفرنسية الكبرى، كما تأثرت بها دول أوربا المختلفة، وكان من أثر ذلك أن قام محمد علي باشا فيما بعد بحركة تشبه الحركة التي قام بها نابليون في فرنسا، وكان مرجوا أن تؤتي خير الثمرات لولا أن تألبت أوربا على مصر وحرمتها يومئذ ثمرات الظفر، كما وقفت بعد ذلك عائقا في سبيل تقدمها تقدما يرفعها إلى الصف الذي يجب أن تشغله بين أرقى أمم الأرض وأقواها.
عين قدري باشا إذا مترجما مساعدا بمدرسة الألسن على أثر تمام دراسته بها، وكان له ميل خاص لدراسة علوم الفقه ولمقارنة الشريعة الإسلامية بالقوانين الأوربية، فكان لذلك يحضر بعض دروس الفقه بالأزهر، وكان مكبا على مطالعة كتب الشرع منذ حداثة سنه، لكن آثاره في ذلك لم تظهر إلا بعد سنين طويلة، وبقيت الترجمة عمله الرسمي الذي كان يتقنه أيما إتقان؛ ولذلك نقل من مدرسة الألسن إلى نظارة المالية مترجما لا مساعد مترجم.
ولما احتل إبراهيم باشا الشام عين شريف باشا واليا لها، فأخذ هذا الأخير قدري باشا (وكان ما يزال قدري أفندي) سكرتيرا له، ثم سافرا إلى الأستانة وعادا بعد ذلك إلى مصر وظلا متلازمين حتى عين قدري باشا أستاذا للغتين العربية والتركية في مدرسة الأمير مصطفى فاضل باشا، ثم اختاره الخديو مربيا لولي العهد، ثم عين بالمعية فالمعارف فمجلس التجار بالإسكندرية فرئيسا لقلم ترجمة الخارجية.
وفي أثناء اشتغاله بالتدريس وضع عدة كتب في مواضيع مختلفة، لكن أكثرها كان في اللغة العربية وأجروميتها ومفرداتها، وكان معاجم عربية-فرنسية، من ذلك (الدر النفيس في لغتي العرب والفرنسيس) ويقع في سبعمائة صفحة، و(الدر المنتخب من لغات الفرنسيس والعثمانيين والعرب)، و(أجرومية في اللغة العربية)، و(مختصر الأجرومية الفرنساوية) مترجمة إلى العربية، و(المترادفات باللغة العربية والفرنساوية)، هذا عدا بعض كتب في التاريخ والجغرافيا ككتاب (معلومات جغرافية مصحوبة ببعض نبذ تاريخية لأهم مدن مصر جمعت وترجمت بالعربية لفائدة الشبيبة المصرية)، وهذا الكتاب ثم طبعه في سنة 1869.
يدل كثير من هذه الكتب على مبلغ تضلع قدري باشا في اللغتين العربية والفرنسية وعلى مقدرته الفائقة في الترجمة؛ لذلك كان طبيعيا أن يدعى للاشتراك في التمهيد للعمل التشريعي العظيم الذي كانت الحكومة المصرية تفكر فيه والذي كان مقدمة لانتشار المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية، فقد كان القضاء المصري في ذلك العهد منوطا بالمجالس الملغاة التي كانت تحكم بالعرف، وكانت تجمع من الرجال من قلت درايتهم بقواعد العدالة، وإذ كانت مبادئ الثورة الفرنسية قد تسربت إلى مصر من طريق الحملة الفرنسية في سنة 1798 ومن طريق الشبان المصريين الذين أوفدوا إلى فرنسا ثم عادوا إلى مصر، فقد اتجهت الفكرة إلى تعريب القوانين الفرنسية التي وضعت أيام نابليون، وعهدت الحكومة إلى جماعة من أفاضل المترجمين المصريين بهذه المهمة، فعرب القانون المدني الفرنسي رفاعة بك رافع وعبد الله بك رئيس قلم الترجمة وأحمد أفندي حلمي وعبد السلام أفندي أحمد، أما قانون المرافعات فعربه أبو السعود أفندي وحسن أفندي فهمي أحد مترجمي وزارة الخارجية، وعرب قدري باشا قانون العقوبات، وعرب صالح مجدي بك قانون تحقيق الجنايات، وجمعت هذه القوانين كلها وطبعت بالمطبعة الأميرية في سنة 1283ه.
Bog aan la aqoon