ويجوز ذلك في حق ما عندنا لأنا لم نؤت في كل شيء علم الحقيقة كما نعمل بالشهادات، وهي لا توجب العلم قطعًا وقال: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى﴾ الآية ولو جاز إجماعهم على الضلالة لما كان مخالفتهم نظيرًا لمشاقة الرسول.
فلما جعل مخالفتهم أحد شطري استيجاب النار علم أنها مثل الشطر الآخر.
وقال: ﴿وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم﴾ والذي ارتضاه الله تعالى لنا هو الذي هو حق عنده دون الخطأ، وإن عذر الله المجتهد على خطئه وأثابه على قدر طلبه فإن الثواب قابل الطلب لكونه مصيبًا فيه.
والدين اسم للمطلوب وقد جاء عن الرسول ﵇ من غير واحد: "إن الله تعالى لا يجمع أمتي على الضلالة" وقد جاء الوعيد بمخالفة الجماعة وهو قوله ﵇: "من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" وقد صنف الناس في هذا الباب، وأوردوا من المشاهير ما يوجب العلم وكتابنا هذا كان يضيق عن ذكرها على الاستقصاء فاكتفينا بالكتاب وبالإشارة إلى السنة.
فإن قال قائل: إن الاختلاف وقع من إجماع انعقد عن رأي او خبر واحد وإنهما لا يوجبان العلم فكيف أوجب العلم إجماع تفرع عنهما؟
قلنا: اتصالهما بالإجماع وقد ثبت بالأدلة أن الكل عصموا عن الباطل كان بمنزلة الاتصال برسول الله ﷺ وتقريره على ذلك، او الاتصال بآية من كتاب الله تعالى وغير مستنكر أن لا يصيب الواحد الحق برأيه، ويصيب إذا قوي بآراء مثله، كما يجوز ضعفه عن حمل شيء ثقيل وقدرته عليه مع غيره.
فإن قيل: قال الله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله﴾ إلى قوله: ﴿وأنتم شهداء﴾.
قلنا: يحتمل أن يقال؛ أن إجماعهم كان حجة ما داموا متمسكين بالكتاب، وإنما لم نجعل اليوم إجماعهم حجة لأنهم كفروا به وإنما ينسبون إلى الكتاب بدعواهم لأن تأويل الآية: ﴿وأنتم شهداء﴾ بما فيه نبوة محمد ﷺ فلم لا تشهدون بالحق، ألا ترى أنه قال: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس﴾ يعني الكتاب وهو الذي سبق ذكره، وابتدأ الآية بقوله: ﴿يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجًا وأنتم شهداء﴾ فثبت أنهم شهداء بنبوة محمد ﷺ وبنقل ما في الكتاب لا غير.
1 / 26