وأخص الأوزان بها هو الوزن البسيط الغير مركب. ولكن ينبغى ألا يبلغ فيها من الطول إلى حد يستكره. والحد المفهم جوهر صناعة المديح هو أنها تشبيه ومحاكاة للعمل الإرادى الفاضل الكامل الذى له قوة كلية فى الأمور الفاضلة، لا قوة جزئية فى واحد واحد من الأمور الفاضلة — محاكاة تنفعل لها النفوس انفعالا معتدلا بما يولد فيها من الرحمة والخوف، وذلك بما يخيل فى الفاضلين من النقاء والنظافة، فان المحاكاة إنما هى للهيئات التى تلزم الفضائل، لا للملكات إذ ليس يمكن فيها أن يتخيل. وهذه المحاكاة بالقول تكمل إذا قرن بها اللحن والوزن. وقد توجد من المنشدين أحوال أخر خارجة عن الوزن واللحن تجعل القول أتم محاكاة، وهى الإشارات والأخذ بالوجوه الذى قيل فى كتاب «الخطابة».
فأول أجزاء صناعة المديح الشعرى فى العمل هو أن تحصى المعانى الشريفة التى بها يكون التخييل، ثم تكسى تلك المعانى اللحن والوزن الملائمين للشىء المقول فيه.
وعمل اللحن فى الشعر هو أنه يعد النفس لقبول خيال الشىء الذى يقصد تخييله. فكأن اللحن هو الذى يفيد النفس الاستعداد الذى به تقبل التشبيه والمحاكاة للشىء المقصود تشبيهه. وإنما يفيد النفس هذه الهيئة فى نوع نوع من أنواع الشعر اللحن الملائم لذلك النوع من الشعر بنغماته وتأليفه. فانه، كما أنا نجد النغم الحادة تلائم نوعا من القول غير الذى تلائمه النغمات الثقال، كذلك ينبغى أن نعتقد فى تركيب الألحان وهيئات المحدثين والقصاص التى تكمل التخييل الموجود فى الأقاويل الشعرية أنفسها من قبل هذه الثلاثة، أعنى التشبيه والوزن واللحن، التى هى اسطقسات المحاكاة، هى بالجملة هيئتان: إحداهما هيئة تدل على خلق وعادة، كمن يتكلم كلام عاقل أو كلام غضوب؛ والثانية هيئة تدل على اعتقاد. فانه ليس هيئة من يتكلم، وهو متحقق بالشىء، هيئة من يتكلم فيه وهو شاك. فالقاص والمحدث فى المديح ينبغى أن تكون هيئة قوله وشكله هيئة محق لا شاك، وهيئة جاد لا هازل، مثل قول القائل أى أناس يكونون فى غاياتهم واعتقاداتهم. والقصص والحديث الذى ينبغى أن يعبر عنه القاص والمحدث — وهو بهاتين الحالتين — هو الخرافة التى تكون بالتشبيه والمحاكاة. وأعنى بالخرافة: تركيب الأمور التى تقصد محاكاتها إما بحسب ما هى عليه فى أنفسها، أعنى فى الوجود؛ وإما بحسب ما اعتيد فى الشعر من ذلك وإن كان كذبا. ولهذا قيل للأقاويل الشعرية خرافات. فالقصاص والمحدثون بالجملة هم الذين لهم قدرة على محاكاة العادات والاعتقادات.
Bogga 209