قال: وقد يجب أن تكون أجزاء صناعة المديح ستة: الأقاويل الخرافية، والعادات، والوزن، والاعتقادات، والنظر، واللحن. — والدليل على ذلك أن كل قول شعرى قد ينقسم إلى مشبه ومشبه به؛ والذى به يشبه ثلاثة: المحاكاة والوزن، واللحن. والذى يشبه فى المدح ثلاثة أيضا: العادات والاعتقادات، والنظر، أعنى الاستدلال لصواب الاعتقاد. فتكون أجزاء صناعة المديح ضرورة: ستة. وإنما كانت العادات والاعتقادات أعظم أجزاء المديح لأن صناعة المديح ليست هى صناعة تحاكى الناس أنفسهم من جهة ما هم أشخاص ناس محسوسون، بل إنما تحاكيهم من قبل عاداتهم الجميلة وأفعالهم الحسنة. واعتقاداتهم السعيدة تشمل الأفعال والخلق، ولذلك جعلت العادة أحد أجزاء الستة، واستغنى بذكرها فى التقسيم عن ذكر الأفعال والخلق. وأما النظر فهو إبانة صواب الاعتقاد وكأنه كان عندهم ضربا من الاحتجاج لصواب الاعتقاد الممدوح به. وهذا كله ليس يوجد فى أشعار العرب. وإنما يوجد فى الأقاويل الشرعية المديحية. وكانوا يحاكون هذه الثلاثة الأشياء، أعنى العادات والاعتقادات والاستدلال، بالثلاثة الأصناف من الأشياء التى بها يحاكى، أعنى: القول المخيل، والوزن، واللحن.
قال: وأجزاء القول الخرافى، من جهة ما هو محاك، جزءان — وذلك أن كل محاكاة فاما أن نوطىء لمحاكاته بمحاكاة ضده، ثم ننتقل منه إلى محاكاته وهو الذى كان يعرف عندهم بالإدارة. وإما أن نحاكى الشىء نفسه دون أن نعرض لمحاكاة ضده، وهو الذى كان يسمونه بالاستدلال.
والذى يتنزل من هذه الأجزاء منزلة المبدأ والأس هو القول الخرافى المحاكى. — والجزء الثانى: العادات، وهو الذى تستعمل أولا فيه المحاكاة، أعنى أنه الذى يحاكى. وإنما كانت الحكاية هى العمود والأس فى هذه الصناعة لأن الالتذاذ ليس يكون بذكر الشىء المقصود ذكره دون أن يحاكى، بل إنما يكون الالتذاذ به والقبول له إذا حوكى. ولذلك لا يلتذ إنسان بالنظر إلى صور الأشياء الموجودة أنفسها، ويلتذ بمحاكاتها وتصويرها بالأصباغ والألوان. ولذلك استعمل الناس صناعة الزواقة والتصوير.
Bogga 210