وإذا تقررت هذه المقدمات فأقول: انه ليس يمكن أن يوجد عالم آخر خارج عن هذا العالم، برهان ذلك: انه ان كان ذلك ممكنا وجب في الارض التي في ذلك العالم أن تتحرك إلى وسط هذا العالم، وفي الأرض التي في هذا العالم ان تتحرك إلى وسط ذلك العالم، وكذلك يلزم بعينه في المتحرك من الوسط، أعني النار، ان تكون تتحرك إلى أفقين معا: إلي أفق هذا العالم وإلى أفق ذلك العالم الخارج. وإذا وضعنا هذا لزم عنه محالات شنيعة. أحدها: انه ان كانت حركة الأرض من هذا العالم إلى وسط ذلك العالم طبيعية (كانت حركتها من ذلك العالم إلى وسط هذا قسرية، فإذا كانت إلى ذلك العالم قسرا كان سكونها فيه قسريا لا طبيعيا. وكذلك إن كانت حركتها إلى ذلك العالم طبيعية كانت حركتها إلى هذا قسرا، فكان سكونها فيه قسرا). وهذا محال، أعني أن يوجد عالم مؤلف من أجزاء موجودة فيه بالقسر. ومحال ثان وهو: ان الأرض إذا تحركت من وسط ذلك (العالم) إلى وسط عذا ومن هذا إلى ذلك، لزمنا أن تكون أولا تمر بأفق ذلك العالم الذي منه تتحرك، فتكون لها بالطبع حركة إلى فوق، وحركة إلى أسفل، أعني المتضادين معا. وكذلك يلزم بعينه في النار فلا تكون هاهنا حركة طبيعية خص جسما ما، حت ى تكون طبيعة النار هي بعينها طبيعة الأرض، ويكون الموجود من الاسطقسات واحدا. وهذا كله شنيع وقبيح. وإذا ارتفع التالي ارتفع المقدم ضرورة، فأما أن المقدم هاهنا صحيح الاتصال بالتالي، أعني أنه ان وجد هاهنا عالم آخر انه يلزم عن ذلك أن تتحرك الاسطقسات من كل واحد من العالمين إلى الآخر (حركات متشابهة) فذلك يبين مما أقوله: وذلك أنه واجب ان وجد هاهنا عالم آخر ان يكون مواطئا بالاسم لهذا العالم، أعني أن يكون مؤلفا من الأجزاء الخمسة البسيطة التي تبين انها أجزاء هذا العالم، أعني الجرم الخامس والاسطقسات الأربعة، وذلك ان وضع الانسان عالما آخر مباينا بذبيعته لهذا العالم وغير مواطئ له بالاسم أمر غير معقول، كما ان وضع الانسان انسانا (آخر) غير مواطئ بالاسم للانسان أمر خارج عن المعقول. وكذلك يظهر الأمر في موجود موجود ،بخاصة متى نصورت الموجودات بالأسباب القريبة التي بها قوامها. وإذا وضعنا ان ذاك العالم يجب أن يقال بتواطؤ مع هذا العالم، فواجب أن تكون أجزاؤه البسائط واحدة بالنوع مع أجزاء هذا العالم، وكذلك يلزم أن تكون حركات هذه البسائط فيهما [8 و: ع] واحدة بالنوع، ولا يكون هنالك كثرة الا في الشخص فقط، حت ى تكون النار التي هي هاهنا انما تغاير النار التي هنالك بما تغاير به الأجزاء بعضها بعضا، وكذلك الأرض وسائر الاسطقسات الأربعة. (10ظ) [21 ظ] وهذا أمر بين بنفسه. وإذا أضيف إلى هذه المقدمة مقدمة أخرى لا يشك أيضا في صدقها وهو: ان موضع الأجزاء من كل واحد من هذه الأجسام البسيطة هو موضع واحد بالعدد، كما يظهر من أمرها، فإنه حيث تتحرك مدرة واحدة فهنالك تتحرك أجزاء النار. وإذا صح لنا أن مواضع الأجزاء واحدة بالعدد، وان النار التي في هذا العالم وفي ذلك العالم هي أجزاء نار، وجب أن تتحرك النار إلى موضع واحد بالعدد. فإن قرض لهما موضعان، على ما يلزم ذلك من يضح عالما آخر، وجب أن تتحرك إلى الموضعين معا، أو لا تتحرك أصلا. لكن ان تحركت إلى الموضعين لزمت الشناعات المتقدمة، وان سكنت لم تكن هنالك حركة أصلا. وأيضا لو تحركت (في الأرض) لكانت الأرض التي في هذا العالم ستحس في وقت ما تتحرك الى فوق، وهذا شيء لم يحس بعد. ولو تكن في ذلك العالم أجسام متحركة حركة استقامة، لما كان هنالك جسم مستدير. وإذا لم يكن هنالك جسم مستدير لم يكن هناك عالم آخر. فهذا هو البرهان الذي يعتمده أرسطو في بيان ان العالم واحد بالشخص. (وبالجملة فينبغي أن تعلم ان من يضع عوالم كثيرة انه يرفع أن يكون هاهنا فوق وأسفل بالطبع وياطلاق. ومن يرفع هذين يرفع الحركات الطبيعية البسيطة فاما من يضع العوالم كثيرة فانه يرفع الحركات الطبيعية، لكن الحركات الطبيعية موجودة، فالعوالم واحد ضرورة. وقد يلزم القائلين بعوالم كثيرة القول بالخلاء.)
(الفصل الثالث)
Bogga 125