300

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن}[المزمل:20]، فمن قرأ بشيء من القرآن فقد أدى ما عليه؟

قيل له: الآية مبنية؛ لأنها عامة على ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه خاص، ومن مذهبنا بناء العام على الخاص.

فإن قيل: هذا لا يوجب أن يكون من بناء العام على الخاص، بل يجب أن يكون نسخا؛ لأن الآية تقتضي التخيير في القرآءة، والخبر يقتضي المنع من التخيير، ويعين الوجوب في فاتحة الكتاب.

قيل له: ليس الأمر على ذلك؛ لأن الخبر أوجب قراءة فاتحة الكتاب، وحكم التخيير بعدها قائم؛ لأن الإنسان مخير بعدها فيما يقرأه، فليس يجب أن يكون فيه نسخ، بل يجب أن يكون على ما قلناه حتى يكون تقدير الخبر والآية: اقرأوا فاتحة الكتاب، وما تيسر من القرآن.

وهذا السؤال إنما يتوجه على من يقول: إن قرآءة فاتحة الكتاب فرض دون ما عداها، فأما نحن فمذهبنا أنه لا بد معها من غيرها من القرآن، فالسؤال ساقط عنا، ونحن نرتب هذا السؤال على وجه يكون دليلا لنا على من زعم أن الفرض هو قراءة فاتحة الكتاب دون ما عداها، بأن نقول: قد ثبت أن الله تعالى ألزمنا قراءة خيرنا فيها بقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر منه}[المزمل:20]، وألزمنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قراءة فاتحة الكتاب، ولا يجوز أن يكون الفرض المعين هو الفرض المخير فيه؛ لأن تقدير ذلك أن نقول: {اقرأوا ما تيسر من القرآن}[المزمل:20]، وهو فاتحة الكتاب، وهذا خلف من الكلام، ألا ترى أنه لا يصح أن يقول القائل لآخر: الق من شئت، وهو زيد، وإنما يصح أن يقول: ألق من شئت، وزيدا، وإذا ثبت ذلك، جرى تقدير الآية والخبر مجرى أن يقول: {اقرأوا ما تيسر}، واقرأوا فاتحة الكتاب، فيجب قراءة فاتحة الكتاب مع غيرها من القرآن.

Bogga 300