وقال أبو بكر بن العربي: «الذي يقضي بالحق إن كان عن علم قهو الذي تقدم، وإن كان عن تقليد فلا يجوز أن يتخذ قاضيًا إلا عند الضرورة فيقضي بفتوى عالم رآه ورواه بنص النازلة فإن قاس على قوله أو قال: يخرج من هذا كذا أو نحوه فهو تعدًّ» ا. هـ. وقال خليل: «مجتهد إن أمكن وإن لا فأمثل مقلد» وشذ ابن رشد وابن زرقون فقالا: ذلك مستحب، صرح بذلك في المقدمات وعليه قال ابن عاصم: «ويستحب العلم فيه» فلما اطلع على هذا اللفظ من لا وقوف له على اصطلاح الناس في العلم ظن أن المستحب العلم المقابل للجهل.
هكذا يتم تشبيه سلمان؛ لأن العالم بالحق يقضي وهو عالم أن ذلك هو الصواب فهو كالطبيب المعتمد فيما يشير به على تجربة النفع، أما المقلد فهو كرجل بلغه أن الدواء نافع ولم يجربه أو اقتضب دواء من تلقاء نفسه يريد أن يجربه في ذلك المريض، فهذا إذا ناول المريض شيئًا لم يكن آمنًا من سوء المغبة.
وإذا نظرنا إلى الشروط الواجبة في القاضي نجدها ترجع إلى دفع وصف المتطبب عنه، وهي:
١ - التكليف؛ لأن غير المكلف قاصر النظر قطعًا.
٢ - والذكورة؛ لضعف المرأة عن الأخذ بالحقوق ونزوعها إلى الرحمة والشفقة.
٣ - والحرية؛ لأن المملوك لا يرجى لإقامة الحق ما دام يخاف غيره، فربما قضى بهوى سيده، هذا هو الذي تشدون عليه من سر اشتراط الحرية في القاضي ولا تصغوا إلى ما يذكرونه من أن الرق أثر الكفر؛ لأنه لو صح لبطل استقصاء المولى.
٤ - والعدالة وأمرها واضح.
٥ - والسلامة من فقد الحس أو المنطق؛ لأنه لا يتوصل إلى الحقيقة إلا بالفهم والاستفهام.
وبقي شرط الاتحاد على خلاف فيه، فدليل مشترطة أنه أعون على اتحاد الأحكام والسلامة من التشويش على الخلق.
«فتدخل النار» لقد أبدع كلام سلمان في التفنن؛ إذ تخلص من المشابهة التمثيلية على طريقة الخطابة البلاغية إلى المشابهة الشرعية المسماة بالقياس، فرتب على تمثيل القضاء بالطب تمثيل القضاء بغير الحق بقتل النفس تحذيرًا من العقاب
1 / 70