ذلك جعلوا للداعي لقبًا يناسب انطباق ما سبق من مروي الأخبار إن كانت الأخبار سابقة لوقت ظهورهم، فقد صنع أصحاب الدعوة الهاشمية في خراسان حديثًا عن ابن مسعود، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ، إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله ﷺ ذرفت عيناه وتغير لونه، قال فقلت: ما نزال نوى في وجهك شيئًا نكرهه، فقال: «إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة ثم الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريدًا وتطريدًا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون» الخ.
فانظر إلى كلمة (تشريد) المنطبق على المستعصين من بني هاشم بخراسان، وإلى كلمة (من قِبَل المشرق) فإن بلاد فارس شرق بلاد العرب، وإلى (الرايات السود)، فإنها شعار أصحاب الدعوة الهاشمية المتمحضة بعد في العباسية، وقريب من هذا جميع الآثار المروية في أن المهدي من أبناء العباس، وأن الحق معه ومع أصحاب الرايات السود ومع الخارجين من المشرق أو من بلاد مصرح بأسمائها من بلدان فارس، فقد كان محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بالمدينة يتطلع إلى الخلافة ويزعم أن أبا جعفر المنصور بايعه بها في مكة في آخر مدة مروان بن محمد الأموي، وأنه هو الرضي من آل البيت.
ولما حج المنصور بالناس في خلافة أخيه السفاح طلب محمد بن عبد الله ابن الحسن في المدينة فاختفى محمد، ثم في خلافة المنصور لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى مختفيًا في شعاب جبل رضوى من بلاد جهينة، فمن هنا دخل ذكر جبل رضوى في قصة المهدي المنتظر واختلطت القصة من عدة حوادث، وأيضًا نرى أبا جعفر المنصور وقد لقب ابنه محمدًا بالمهدي وأخذ له العهد بالخلافة وساعده أنه سمي رسول الله ﷺ وأن أباه سمي أبى رسول الله ﷺ؛ إذ كان من روايات حديث المهدي الرواية القائلة: لما يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي كما سيأتي، فالمهدي العباسي أول من تلقب بالمهدي وتطلع إلى أن يكون هو المعني من الأخبار المروية في شأن القائم المنتظر، وقد كان لصنيعه ذلك فائدته المطلوبة؛ إذ قد انقطعت عند بيعته مطالع العلويين المزاحمين للعباسيين في الخلافة من أواخر مدة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، ثم انتحل هذا اللقب أناس من الثائرين والناجمين في الممالك والأمم مثل المهدي: الذي قام بالدعوة العبيدية في إفريقية ودبر الثورة على الدولة الأَغلبية، ومثل المهدي: ابن تومرت الذي قام بدعوة الدولة
1 / 55