الأمر الذي دعا الخيِّرين إلى الإِكثار منها وحبس الأَموال عليها (١).
هذا فيما يتعلَّقُ بأهمِّ الأَسْباب التي أَدَّت إلى النُّهوض بالحركةِ العِلميَّة، وهُناك أسبابٌ أُخرى أَدَّت دورَها الفعَّال، ولكن عَلى نطاقٍ محدودٍ، وفي إِطار شريحةٍ خاصَّةٍ، منها: خزائنُ الكتبِ الخاصَّةِ، ومجالسُ السَّلاطين والأمراء، وبيوتُ العلماءِ، وحوانيتُ الورَّاقين.
أَمَّا ما يتعلقُ بطبيعةِ نِتاج ذلك العصرِ فإِنَّه شمل جميعَ العُلوم والمعارف، ولَم يغلب عليه طابعُ الابْتكار والتَّأصِيل -كمَا هُو الحال في العُصور العبَّاسيَّة الأولى-، وإِنَّما غلب عليه طابعُ الجمع والتَّقرير والشَّرح والاخْتصار.
ولذا وجدنا أغلب مُؤلّفاته إِمَّا موسوعاتٍ عامَّة، تشملُ كثيرًا من المعلوماتِ المتنوّعةِ المتباينة؛ من مثل؛ كتاب "نهاية الأَرب في فنون الأدب" لشهابِ الدِّين النُّويريِّ المتوفّى سنة (٧٣٢ هـ)، ويقعُ في نَيِّفٍ وثلاثين مجلّدًا، وكتاب "مَسَالك الأبصار في مالك الأمصار" لشهابِ الدِّين بن فضلِ الله العمريِّ المتوفّى سنة (٧٤٨ هـ)، ويقعُ في أكثر من عِشرين مجلَّدًا.
أَوْ موسوعاتٍ خاصَّةٍ تشملُ كثيرًا من المعلوماتِ الّتي تَنْدرج تحتَ فن واحدٍ من مثل "لسان العرب" للعلأمة جمالِ الدّين محمَّدِ بن مكرم بن منظورٍ الإفريقيِّ المصريّ المتوفّى سنة (٧١١ هـ).
أَوْ شروحاتٍ إِمَّا لكتبٍ ألفها المؤلِّف نفسُه؛ من مثل "شرح شذورِ الذهب في معرفةِ كلام العرب" لجمالِ الدِّين أبي محمّد عبدِ الله بن يوسفَ بن
_________
(١) المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، د. سعيد عاشور: (١٥٠ - ١٥٢).
1 / 54