{ فصل المأمور به نوعان مطلق ومؤقت } المراد بالمؤقت ما يتعلق بوقت محدود بحيث لا يكون الإتيان به في غير ذلك الوقت أداء بل يكون قضاء كالصلاة خارج الوقت أو لا يكون مشروعا كالصوم في غير النهار وبالمطلق ما لا يكون كذلك وإن كان واقعا في وقت لا محالة { أما المطلق فعلى التراخي لأنه } أي لأن الأمر { جاء للفور وجاء للتراخي فلا يثبت الفور إلا بالقرينة وعند عدمها يثبت التراخي لا أن الأمر يدل عليه } لأن المراد بالفور امتثال المأمور به عقيب ورود الأمر وبالتراخي عدم التقييد بالامتثال في الحال لا التقييد بالامتثال في الاستقبال حتى لو أداه في الال يخرج عن العهدة فالفور يحتاج إلى القرينة دون التراخي { وأما المؤقت فأما أن يتضيق الوقت على الواجب وهذا غير واقع لأنه تكليف بما لا يطاق إلا الفرض القضاء كما وجب عليه الصلاة آخر الوقت وأما أن يفضل كوقت الصلاة وأما أن يساوي وح أما أن يكون الوقت سببا للوجوب كصوم رمضان أو لا يكون كقضاء رمضان } إنما جعلوه من المؤقت باعتبار أن الصوم لا يكون إلا بالنهار { وقسم آخر مشكل في أن يفضل أو يساوي } أي لا يعلم فضله ولا مساواته والمراد من الأحكام السابقة أيضا ما بحسب العلم كالحج { أما وقت الصلاة فهو ظرف للمؤدى وشرط للأداء يفوت بفوت الوقت } لأن الأداء تسليم عين الواجب بالأمر وهو الصلاة في الوقت وأما التي خارج الوقت فمثل الواجب به { وسبب للوجوب } استدل على سببية الوقت بوجوه كل منها أمارة يفيد الظن لا القطع لقيام الاحتمال إلا أن المجموع يفيد القطع { لقوله تعالى { لدلوك الشمس } ولإضافة الصلاة إليه } الإضافة المطلقة تدل على الاختصاص الكامل وهو هنا بالسببية { ولتغيرها بتغيره صحة وكراهة وفسادا } والأصل في اختلاف الحكم أن يكون باختلاف السبب وفيه نظر { ولتجدد الوجوب بتجدده ولبطلان التقديم عليه } وفيه نظر { أن الوقت وإن لم يكن مؤثرا في ذاته بل يجعل الله تعالى بمعنى أنه رتب الأحكام على أمور ظاهرة تيسيرا كالملك على الشراء ونحوه فيكون الحكم بالنسبة إلينا مضافا إلى هذه الأمور فهي مؤثرة في الأحكام يجعل الله تعالى كالنار في الإحراق عند أهل السنة لا يقال الحكم قديم فلا يؤثر فيه الحادث لأن القديم الإيجاب وهو حكمه تعالى في الأزل أنه إذا بلغ زيد يجب عليه إذا وأثره أي الوجوب وهو الحكم المصطلح حادث فإنه مضاف إلى الحادث فلا يوجد قبله ثم هو } أي الوقت { سبب لنفس الوجوب } لما بين الوقت سبب للوجوب أراد أن يبين أن الوجوب المسبب هو نفس الوجوب لا وجوب الأداء { لأن سببها الحقيقي الإيجاب القديم وهو } أي الإيجاب المذكور { رتب الحكم على شيء ظاهر } هو الوقت { فكان هذا } أي الشيء الظاهر { سببا لها } أي لنفس الوجوب { بالنسبة إلينا ثم لفظ الأمر لمطالبة ما وجب الإيجاب المرتب للحكم على ذلك الشيء فيكون } أي لفظ الأمر { سببا لوجوب الأداء والفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء أن الأول هو اشتغال ذمة المكلف بفعل أو مال والثاني لزوم تفريع الذمة عما اشتغلت به فلا بد من سبق حق في ذمته وتحقيقه أن للفعل معنى مصدريا هو الإيقاع ومعنى حاصلا بالمصدر هو الحالة المخصوصة فلزوم وقوع تلك الحالة هو نفس الوجوب ولزوم إيقاعها هو وجوب الأداء وكذا في المال لزوم وثبوته في الذمة وجوب ولزوم تسليمه إلى من له الحق وجوب أداء فالوجوب في كل منهما صفته لشيء آخر { فإذا اشترى شيئا يثبت الثمن في الذمة } وثبوته فيها نفس الوجوب { أما لزوم الأداء فعند المطالبة بناء على أصل الواجب } وهذا بيان افتراق الوجوبين بحسب الوجود في المال أما بيانه في البدني فبقوله { وأيضا لقضاء واجب علىالمغمى عليه والنائم والمريض والمسافر ولا أداء عليهم } لا يقال لزوم وقوع الفعل الاختياري من الشخص بدون لزوم إيقاعه إياه ليس بمعقول بل لزوم الوقوع عن الأولين في تلك الحالة ليس بمشروع وبعدها كما يلزم الوقوع يلزم الإيقاع لأنا نقول إنما يلزم ذلك لو كان المقصود لزومه بعد زوال العذر على ما صرحوا به { لعدم الخطاب } أما في الأولين فلأن خطاب من لا يفهم لغو وأما في الأخيرين فلأنهما مخاطبان بالصوم في أيام أخر لا يقال الأولان مخاطبان بأن يفعلا بعد الانتباه لأنه ح يكونان آيتان بعين ما خوطبا به لا بمثله والمفروض خلافه وما في خطاب المعدوم من التكليف ليس بطريق التخيير بخلاف ما نحن فيه { ولا بد للقضاء من وجوب الأصل فيكون نفس الوجوب ثابتا ويكون سببه } أي سبب نفس الوجوب { شيئا غير الخطاب وهو الوقت } لما ذكرنا من عدم الخطاب { لأنه لا شيء يصلح للسببية غير الوقت والخطاب فهي منحصرة فيها أما لهذا أو للإجماع } فيلزم من نفي أحدهما ثبوت الآخر اعلم أن بعض العلماء لم يفرقوا بين نفس الوجوب ووجوب الأداء وقالوا أن الوجوب لا ينصرف إلا إلى الفعل وهو الأداء فبالضرورة يكون نفس الوجوب هي نفس وجوب الأداء ومنهم من دقق النظر وحقق الفرق بينهما على الوجه الذي قدمناه ولما ذكر أن الوقت سبب لنفس الوجوب أراد أن تبين أن السبب ليس كل الوقت بل بعضه فقال { ثم إذا كان الوقت سببا وليس ذلك كله لأنه ح } أي على تقدير أن يكون السبب كله { إنه وجبت في الوقت تقدم على السبب } لأن تمام السبب ح عند انتهاء الوقت { وإن لم يجب فيه تأخر الأداء } أي أداء الواجب { عن الوقت فالبعض سبب ولا يتعين الأول بدليل الوجوب على من صار أهلا في الآخر إجماعا ولا الآخر وإلا لما صح التقديم عليه } أي تقديم أداء الواجب على آخر الوقت لامتناع التقديم على السبب { بل السبب الجزء الذي اتصل به الأداء فهذا الجزء إن كان كاملا يجب الأداء كامل فإن اعترض عليه الفساد بطلوع الشمس يفسد وإن كان ناقصا كوقت الاحمرار يجب ناقصا فإذا اعترض الفساد بالغروب لا يفسد لأنه وجب ناقصا وقد أدى كما وجب } بخلاف الأول لأنه شرع فيه في الوقت الكامل لأن ما قبل طلوع الشمس وقت كامل لا نقصان فيه قطعا فوجب عليه كاملا فإذا فسد الوقت بالطلوع لا يكون مؤديا كما وجب لأن النهي عن الصلاة في هذا الأوقات باعتبار المشابهة بعبادة الشمس فإن عبدتها يسجدون إليها في هذا الأوقات وكان عبادتهم بعد الطلوع وقبل الغروب فقبل الطلوع وقت كامل بخلاف قبل الغروب { وإنما لم يلزم فساد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدتها إلى أن غربت لأن الوقت لما كان متسعا جاز له شغل كل الوقت } لولا ذلك الاتساع لما جاز هذا الشغل فكلة لما في موقعها { فيعفى الفساد الذي يتصل به البناء } أراد بالبناء ضد لابتداء يعني ابتداء الصلاة في الوقت الكامل فالفساد الذي اعترض في حالة البقاء جعل عذر { إلا أن الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر } اعلم أن الفساد الذي يعترض على ما وجب بسبب كامل ويعتذر الاحتراز عنه مع الإتيان بالعزيمة والإقبال على الصلاة في جميع الوقت هو وقوع بعض الأداء في وقت الكراهة كما بعد الطلوع وما قبل الغروب لا مجرد وقوعه بعد الوقت إذ لا فساد فيه فظاهران شغل كل الوقت بالأداء بدون هذا الفساد ممتنع في العصر دون الفجر ولذلك قال { وهذا التعذر مفقود في الفجر ولذلك فسد الفجر إذا وقع بعضها بعد الطلوع } إنما قال إذا وقع بعضها بعد الطلوع لأنه لا يفسد إذا تم عند الطلوع { ولو لم يؤد فكل الوقت سبب في حق القضاء لأن العدول عن الكل في الأداء } يعني أن موجب الدلائل أن يكون السبب كل الوقت والعدول عنه في الأداء { كان لضرورة } قد مر بيانها { وقد انتفت في القضاء فوجب بصفة الكمال } حتى لا يجوز قضاء العصر الغاية بحيث يقع شيء منه في وقت الكراهة { ثم وجوب الأداء يثبت آخر الوقت } وقيل آخر إنما يجب بالشروع { إذ هنا توجه الخطاب قطعا } وقبله إنما يتوجه معلقا على شروعه { لأنه الآن يأثم الترك لا قبله حتى إذا مات في الوقت لا شيء عليه ومن حكم هذا القسم } المسمى بالواجب الموسع { أن الوقت لما لم يكن متعينا شرعا والاختيار إلى العبد لم يتعين بتعيينه نصا إذ ليس له وضع الشرائع وإنما له الارتفاق فعلا } أي اختيار فعل فيه رفق { فتعين فعلا كالخيار في الكفارات ومنه أنه لما كان الوقت متسعا شرع فيه غير هذا الواجب فلا بد له من تعيين النية ولا يسقط التعيين إذا ضاق الوقت بحيث لا يسع إلا هذا الواجب } جواب إشكال وهو أن التعيين إنما وجب لاتساع الوقت فإذا ضاق الوقت ينبغي أن يسقط التعيين { لأن ما ثبت حكما أصليا } نصب على الحال { بناء على سعة الوقت } وهو وجوب التعيين بالنسبة لا يسقط بالعوارض وتقصير العباد وأما القسم الثاني } وهو أن يكون الوقت مساويا للواجب ويكون سببا للوجوب { فوقت الصوم وهو نهار رمضان شرط للأداء ومعيار للمؤدى لأنه قدر وعرف به } فإن الصوم مقدر بالوقت وهذا ظاهر ومعر بالوقت فإنه الإمساك عما يدخل في الجوف والجماع من الصبح إلى المغرب مع النية فالوقت داخل في تعريف الصوم { وسبب للوجوب لقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } } من هنا شرطية فتدل على التعليل { ولنسبة الصوم إليه } فإن الأصل الإضافة إلى السبب { ولتكرره به ولصحة الأداء فيه للمسافر مع عدمالخطاب } صحة الأداء فرع الوجوب وقد مر أن السبب دائر بين الوقت والخطاب فعند انتفاء الثاني يتعين الأول { ومن حكمه أن لا يشرع فيه غيره فلهذا يقع عند أبي يوسف ومحمد عن رمضان إذا نوى المسافر واجبا آخر لأن للشروع في هذا اليوم هو لا غير في حق الجميع ولهذا يصلح الأداء منه } أي من المسافر { لكنه رخص بالفطر وذا لا يجعل غيره مشروعا فيه ولأبي حنيفة لما رخص لمصلحة بدونه فمصلحة دينه وهو قضاء دينه أولى وإنما لم يشرع للمسافر غيره أن أتى بالعزيمة وهنا لم يأت إذا صام واجبا آخر } جواب عن قولهما لأن المشروع إلخ يعني لا ثم أنالمشروع في حق المسافر هذا لا غير مطلقا بل إن أتى المسافر بالعزيمة أما إذا أعرض عنها فلا ثم ذلك { ولأن وجوب الأداء ساقط عنه } عطف على مضمون الكلام السابق { فصار رمضان في حق أدائه } وتسليم ما عليه { بمنزلة شعبان } وإنما قال في حق أدائه لأنه في حق نفس الوجوب ليس بمنزلة شعبان { فعلى } الدليل { الأول } وهو قوله فمصلحة دينه وهو قضاء دينه أولى { أن شرع في النفل يقع عن رمضان } لأنه إذا شرع في واجب آخر إنما يقع عنه لمصلحة دينه فإن قضاء ما فات أولى للمسافر من أداء رمضان لأنه إن مات عقيب رمضان لقي الله تعالى وعليه صوم القضاء دون صوم رمضان فإذا كان الوقوع عن واجب آخر لمصلحة دينه ففيما إذا نوى النفل فمصلحة دينه إنما هي أداء رمضان لا النفل { وعلى الثاني } أي على الدليل الثاني وهو أن الوقت بالنسبة إليه كشعبان { يقع عن النفل فهنا روايتان } أي بناء على هذين الدليلين في هذه المسألة روايتان { وإن أطلق } النية { فالأصح أنه يقع عن رمضان } على جميع الروايات { إذ لم يعرض عن العزيمة وأما المريض إذا نوى واجبا آخر يقع عن رمضان لتعلق رخصته بحقيقة العجز فإذا صام ظهر فوات شرط الرخصة فصار كالصحيح } هذا على ما صرح به فخر الإسلام والإمام السرخسي في أصولهما ومبسوطهما { وفي المسافر قد تعلقت بعجز باطن قام السفر الظاهر مقامه وهو موجود } وفي الإيضاح أن هذا الفرق ليس بصحيح والصحيح أنهما متساويان وهو اختيار الكرخي وبه أخذ مشايخ بخارى لأن رخصته متعلقة بخوف ازدياد المريض لا بحقيقة العجز فكان كالمسافر في تعلق الرخصة بعجز مقدر { وقال زفر } مسألة ابتدائية { لما صار الوقت متعينا له فكل إمساك يقع فيه يكون مستحقا } أي يكون حقا مستحقا لله تعالى { على الفاعل كالأجير الخاص فإن منافعه حق المستأجر فيقع عن الفرض وإن لم ينو كهبة كل النصاب من الفقير بغير النية ولهم } أي لاصحابنا الثلاثة { هذا يكون جبرا } لعدم اختيار العبد في صرفها { فلا يصلح عبادة } وقربة { لأنها الفعل الذي يقصد به العبد التقرب إلى الله تعالى } ويصرفه عن العادة إلى العبادة { باختياره وقال الشافعي لما كان منافعه على ملكه } لأن منافعه صارت حقا لله تعالى جبرا { لم يكن بد من التعيين لئلا يصير جبرا في صفة العبادة } قلنا نعم { لكن الإطلاق في المتعين تعين } هذا قول بموجب العلة أي تسليم دليل المعلل مع بقاء الخلاف على ما يأتي إن شاء الله تعالى وتفصيله إنا لا ثم أنالتعيين واجب لكن نقول الإطلاق في المتعين تعيين فإنه إذا كان في الدار زيد وحده فقال آخر يا إنسان فالمراد زيد { ولا يضر الخطأ في الوصف بأنه نوى النفل أو واجبا آخر وهو مقيم } لأن الوصف لما لم يكن مشروعا بطل فبقي الإطلاق وهو تعيين { وقال الشافعي لما وجب التعيين وجب من أوله إلى آخره لأن كل جزء يفتقر إلى النية فإذا عدمت في البعض فسد ذلك فيفسد الكل لعدم التجزي } أي لعدم تجزي الصوم صحة وفسادا { وغلبة جانب الفساد } لكونه عدميا { والنية المعترضة لا تقبل التقدم } على ما مضى من الإمساكات { قلنا لما صح بالنية المتقدمة المنفصلة عن الكل فلأن يصح بالمتصلة بالبعض أولى } جواب بمنع قوله والنية المعترضة لا تقبل التقدم وتقرير الجواب موقوف على تفصيل الاحتجاج المذكور وهو مسبوق بتحقيق معنا الاستناد وهو إن ثبت الحكم في الزمان المتأخر ويرجع القهقرى حتى يحكم بثبوته في الزمان المتقدم كما في المغصوب فإنه يملكه الغاصب بالضمان مسندا إلى وقت الغصب حتى إذا استولد الغاصب المغصوبة فهلكت فأدى الضمان يثبت النسب من الغاصب وإذا تقرر هذا فالشافعي يقول إذا اعترض النية في النهار لا يمكن تقدمه على الفجر بطريق الاستناد لأنه يكون في الأمور الثابتة شرعا كالملك ونحوه أما في الأمور الحسية والعقلية فلا يمكن الاستناد والنية أمر وجداني فلا يمكن تقدمها استنادا ونحن نقول في جوابه أنا لا نقول بتقدمها استنادا بل تقديرا فإن الأصل هو مقارنة العمل بالنية والشرع جعل النية في أول الليل مقارنة له تقديرا فكذا هنا وهذا ذكره بقوله { ويكون تقديرية لا مستنة والطاعة قاصرة في أول النهار لأن الإمساك فيه عادة } لا مشقة فيه { فيكفيها النية التقديرية وأيضا للأكثر حكم الكلي في كثير من الأحكام فيجعل اقتران الأكثر بانية بمنزلة اقتران الكل بها } فإن قيل أليس البعض الأول يفسد قبل أن تقترنه النية وبعد الفساد لا يعود صحيحا قلنا لا بل يتوقف لصلوحه للصوم فإن صادف نيته في الأكثر صار صوما وإلا فسد ويجب أن يكون ذلك البعض مما له حكم الكل من وجه حتى يكون الاقتران به في حكم الاقتران بالكل فلذلك لا يصح الصوم بنية بعد نصف النهار { وهذا الترجيح الذي بالذات أولى من ترجيحه بالوصف على ما يأتي في باب الترجيح إن شاء الله تعالى } وذلك أنا نرجح البعض الذي وجد فيه النية على الذي لم يوجد فيه بالكثرة الشافعي ترجح على العكس اعتبارا بوصف العبارة فإنها لا تصح بدفع النية وترجيحا ترجيح بالذاتي لأنه باعتبار الأجزاء وترجيحه تريجح بالعرضي لأنه باعتبار الوصف { فإن قيل في التقديم ضرورة فإن محافظة وقت الصبح متعذرة جدا فالتقديم الذي لا يعترض دونه المنافي كالاتصال قلنا وفي التأخير أيضا ضرورة كما في يوم الشك } لأن تقديم نية الفرض فيه حرام ونية النقل لغو عندكم فيثبت الضرورة { وفي غيره أيضا ضرورة إذا أنسى النية في الليل أو نام أو أغمي عليه ولأن صيانة الوقت الذي لا إدراك له أصلا واجبة حتى أن الأداء مع النقصان أفضل من القضاء بدونه } أقام الدليلين على صحة الصوم المنوي نهارا أحدهما ما ذكره بقوله لما صح بالنية المنفصلة إلخ والآخر ما ذكره بقوله ولأن صيانة الوقت إلخ والثاني يشعر بأن صحته ضرورة أن الصيانة واجبة { فعلى هذا الوجه لا كفارة } أي لا يجب الكفارة إذا أفسد { وهو رواية عن أبي حنيفة ومن حكمه } أي من حكم هذا القسم وهو أن يكون الوقت معيارا للمؤدى { أن الصوم مقدر بكل اليوم فلا يقدر النفل ببعضه } أي بعض النهار { خلافا للشافعي } فإن عنده إذا نوى النفل في النهار يكون صومه من زمان النية { ومن هذا الجنس } أي جنس صوم رمضان { المنذور في وقت معين يصح بالنية المطلقة ونية النفل لكن إن صام عن واجب آخر يقع عنه لأن تعيينه يؤثر في حقه لا في حق الشارع } وذلك الوقت صار متعينا بتعيين النادر فتعيينه يؤثر في حقه وهو النفل حتى يقع عن المنذور بسبب أن الوقت متعين له بتعيينه ولا يؤثر في حق الشارع { أي إن نوى } واجبا آخر لا يقع عنه { وأما القسم الثالث فالوقت معيار لا سبب كالكفارات والنذور المطلقة والقضاء وحمه أنه لما لم يكن الوقت متعينا لها كان الصوم من عوارض الوقت فلا بد من التبييت } أي من النية في الليل بخلاف صوم رمضان والنذور المعين فإن الوقت متعين فيكفي النية الحاصلة في الأكثر ويكون التقديرية حاصلة في أنول النهار بناء على تعين الوقت فإنه يوجب كونه صائما وههنا لم يتعين الوقت فوجب النية الحقيقية في أول النهار { وأما النفل فهو المشروع الأصلي في غير رمضان كالفرض في رمضان فيكفي النية في الأكثر } جواب سؤال تقرره أن عدم تعيين الوقت لو كان موجبا للتبييت لما صح النفل بنية منالنهار وحاصل الجواب منع الملازمة والسند ما ذكر { وأما القسم الرابع وهو الحج فيشه الظرف لأن أفعاله لا تستغراق أوقاته ويشبه المعيار لأنه لا يصح في عام واحد إلا حج واحد ولأن وقته العمر فيكون ظرفا حتى إن أتى به بعد العام الأول يكون أداء بالاتفاق ولأن وقته العمر فيكون ظرفا حتى إن أتى به بعد العام الأول يكون أداء بالاتفاق لكن عند أبو يوسف يجب مضيقا لا يجوز تأخيره عن العام الأول وهو لا يسع إلا حجا واحد } فيشبه المعيار { وعند محمد يجوز شرطان لا يفوته } قال أبو يوسف بالتضييق للاحتياط لا لانقطاع التوسع بالكلية ولهذا جاز أداؤه في العام الثاني وقال محمد بالتوسع الظاهر الحال في بقاء الإنسان لا لانقطاع التضييق بالكلية فلهذا يأثم بالتأخير لو مات في العام الثاني فثبت أن وقته يشبه كلا من الظرف والمعيار عندهما إلا أن الأظهر الراجح في الاعتبار هو المعيارية عند أبي يوسف والظرفية عند محمد ولذلك تبين الشبه الثاني على قول الأول { قال الكرخي هذا بناء على الخلاف بينهما في أن الأمر المطلق يوجب الفور أم لا وعند عامة مشايخنا الأمر المطلق لا يوجب الفور اتفاقا فمسألة الحج مسألة مبتأة فقال محمد لما كان الإتيان به في العمر أداء إجماعا علم أن العمر وقته كقضاء الصلاة والصوم وقال أبو يوسف أنه يختص بوقت خاص والموت في سنةواحدة غير نادر فيتضيق احتياطا } ولهذا كان التعجيل أفضل { بخلاف وقت الصلاة والصوم لأنه في مثله نادر لا يقال لما تعين العام الأول ينبغي أن لا يشرع فيه النفل لأنا نقول كان التعيين احتياطا لئلا يفوت فلا يظهر أثره إلا في الإثم } وما يترتب عليه من الفسق ورد الشهادة أي إن أخر عن العام الأول ثم مات ولم يدرك الحج أثم وصار فاسقا فيرد شهادته { فلا يبطل اختباره جهة التقصير والإثم } بأن أدرك الوقفة فلم ينو حجة الإسلام بل نوى النفل { فإذا لم يكن هذا الوقت معيارا لما قلنا ولأن أفعاله غير مقدرة بالوقت } بخلاف الصوم فإنه مقدر بالوقت فإن المعيار هو ما يقدر الشيء به كالمكيال ونحوه { فإن تطوع } جواب إذا { وعليه حجة الإسلام يصح وعند الشافعي يقع عن الفرض إشفاقا عليه فإن هذا } أي التطوع وعليه حجة الإسلام { من السفه فيحجر عليه } فيبطل نية التطوع فيبقى النية المطلقة وهي كافية { دل على هذا } أي على عدم صحة النقل { صحته } أي صحة الفرض { بمطلق النية وبلا نية كمن أحرم عنه أصحابه وهو مغمى عليه قلنا الحجر يفوت الاختيار ولا عبادة بدونه أما الإطلاق ففيه دلالة التعيين إذا الظاهر أن لا يقصد النفل وعليه حجة الإسلام والإحرام غير مقصود } جواب عن قوله كمن أحرم عند أصحابه { بل هو شرط عندنا كالوضوء فيصح بفعل غيره بدلالة الأمر } فإن عقد الرفقة دليل الأمر بالمعانة .
Bogga 182