{ مسألة المجاز خلف عن الحقيقة } أي فرع لها { في حق المتكلم عند أبي حنيفة وعندهما في حق الحكم } لا خلاف في أن المجاز خلف عن الحقيقة بمعنى أنها هي الأصل الراجح المقدم في الاعتبار وأيضا لا خلاف في أن من شرط صحة الخلف مكان الأصل ولذلك يجب الكفارة في مسئلة مس السماء وذلك أنه إذا حلف قائلا والله لا مس السماء يجب الكفارة لأن الأصل وهو البر ممكن فإن مس السماء ممكن للبشر كيف وقد وقع في حق النبي عليه السلام فينعقد اليمين ويجب الكفارة ولا يجب في مسئلة الكوز فإنه لو حلف قائلا والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه لا يجب الكفارة لأن الأصل وهو البر غير ممكن وإنماالخلاف في جهة الخلفية والفرعية فعندهما هي الحكم حتى يشترط في المجاز إمكانالمعنى الحقيقي بهذا الكلام وعنده التكلم حتى يكفي صحة الكلام من حيث الإفادة سواء صح معناه الحقيقي أولا { فقوله هذا النبي لعبده الأكبر منه سنا } أراد به المقدم ولادة { يثبت العتق عنده } لصحة اللفظ { ويلغوا عندهما } لاستحالة المعنى الحقيقي وهو ثبوت النبوة لأن الأكبر سنا بالمعنى المذكور لا يتصور أن يكون مخلوقا من نطفة الأصغر { لهما أن مبنى المجاز على الانتقال من المعنى الحقيقي إلى المجازي فلا بد من إمكان الأول } ليتحقق الانتقال منه { قلنا يكفي صحة فهمه ن اللفظ } ومداره على صحة اللفظ من حيث الإفادة { ولا يلزم صحة إرادته منه } كيف والمجاز الذي لا إمكان لمعناه الحقيقي واقع في كلام الله تعالى وهو في كلام البلغاء أكثر من أن يحصى ومن قال لا على إرادته إذ لا جمع بينهما لم يصب لأن مراد الخصم يتم بلزوم صحة الإرادة ولا حاجة له إلى إرادته بالفعل فإبطاله لا يجدي نفعا في دفع ما ذكره { فإذا فهم الأول وامتنع أرادته علم أن المراد لازمه وهو عتقه من حين ملكه وصار أهلا للاعتاق } لأن هذا المعنى لازم للبنوة وإنما زاد قوله وصار أهلا لأنه يجوز أن يكون صبيا حين ملكه فلا يكون أهلا للاعتاق { فيجعل إقرارا فيعتق قضاء من غير نية لأنه متعين ولا يعتق بقوله يا ابني لأن وضع النداء لاستحضار المنادي } وطلب إقباله { بصورة الاسم من غير قصد إلى معناه } فلا يفتقر إلى تصحيح الكلام بإثبات موجبه الحقيقي أو المجازي بخلاف الخبر فإنه لتحقيق المخبر به فلا بد من تصحيحه بما أمكن { ويعتق بياحر لأنه } أي لأن لفظ الحر { موضوع للعتق } وعلم لإسقاط الرق { فيقوم عينه مقام معناه } حتى لو قصد التسبيح فجرى على لسانه عبدي حر يعتق { فإن قيل أن هذا ابني من قبيل زيد أسد وهو ليس باستعارة } عند المحققين لا لأنه دعوى أمر مستحيل قصدا لأنه منقوض بمحل الوفاق الآتي ذكره بل لأن ذكر المشبه يفصح عن التشبيه وحق الاستعارة أن لا يكون التشبيه ظاهرا { بل تشبيه بحذف الأداة } أي زيد مثلا الأسد وهذا مثل ابني { وهو لا يوجب العتق بالاتفاق قلنا أنه ليس من قبيل زيد أسد بل من قبيل الحال ناطقة لأن ابني معناه مولودي } ومخلوق من مائي فيكون مشتقا مثل ناطقة { وهو استعارة بالاتفاق مسئلة قال بعض الشافعية لا عموم للمجاز كالصاع في قوله عليه اسلام ولا الصاع بالصاعين } قد أريد به الطعام إجماعا فلا يشمل غيره لأنه ضروري أراد ضرورة لامتكلم لقصور في اللغة حيث لم ووجد فيها حقيقة تفي المرام أو تناسب المقام فليس فيه مظنة عجزه وقصوره كما سبق إلى بعض الأوهام { فيتقدر بقدر الضرورة قلنا لا ثم أنه ضروري بل يصار إليه توسعة للطريق } أي طريق أداء المعاني { عند المتكل وإيفاء لحق المقام من جهة البلاغة } فإنه أحد نوعي الكلام وفيه من لطائف البلاغة ما لا يتحمله الحقيقة { ولو سلم أنه ضروري لكن يجوز أن يكون الضرورة في أداء المعنى العام } فإنه كما يتصور الاضطرار إلى المجاز لأجل المعنى الخاص فكذا يتصور لأجل المعنى العام بأن لا يجد المتكلم لفظا يدل على جميع أفراد مراده بالحقيقة { فتقدره } أي تقدر المصير إلى المجاز { بقدر الضرورة لنا لا علينا } وهذا جواب بطريق القول بالموجب .
Bogga 54