Tafsirka Dhexdhexaadka ah
الوسيط في تفسير القرآن الكريم
Daabacaha
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Goobta Daabacaadda
الفجالة - القاهرة
Noocyada
وذلك أن اليهود كانوا يعلنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص فإذا أرادوا أن يقولوا:
اسمع لنا، يقولوا راعنا يورون بالرعونة كما قال تعالى:
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا، إنما يقولون السام عليكم والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بقولنا وعليكم، وأنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا» «١» .
وقال الإمام ابن تيمية: «كان المسلمون يقولون راعنا يا رسول الله وأرعنا سمعك، يعنون المراعاة، وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا بلغة اليهود فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم: كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا له الآن بالشتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم، فسمعها «سعد بن معاذ» ففطن لهم، - وكان يعرف لغتهم- فقال لليهود: عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله ﷺ لأضر بن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها، فأنزل الله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا لكي لا يتخذ اليهود ذلك سبيلا إلى شتم الرسول ﷺ «٢» .
ثم أرشد الله- تعالى- المؤمنين إلى ما يقولونه بدل هذه الكلمة فقال تعالى: وَقُولُوا انْظُرْنا أى: لا تقولوا تلك الكلمة- وهي راعِنا أيها المؤمنون لئلا يتخذها اليهود ذريعة لسب نبيكم ﷺ وقولوا مكانها «انظرنا» أى: انتظرنا وتأن معنا حتى نفهم عنك، من نظر بمعنى انتظر تقول نظرت الرجل انظره إذا انتظرته وارتقبته، وبهذا المعنى ورد قوله تعالى انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أى: انتظرونا نقتبس من نوركم.
فالآية الكريمة تنبيه وإرشاد إلى الأدب الجميل، وهو أن يتجنب الإنسان في مخاطباته الألفاظ التي توهم جفاء أو تنقيصا في مقام يقتضى إظهار مودة أو تعظيم.
ثم بين- سبحانه- مصير اليهود المؤلم جزاء تعديهم على رسول الله ﷺ فقال: وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ، أى: لهؤلاء اليهود الذين اتخذوا كلمة راعِنا وسيلة إلى سب الرسول ﷺ عذاب أليم جزاء كفرهم وتطاولهم وسفاهتهم.
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ١٤٨. (٢) كتاب «الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص ١٤١ للإمام ابن تيمية.
1 / 237