Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
وبالجملة فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم، وهدايتها إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرد إراءة الطريق الذي هو شأن النبي والرسول وكل مؤمن يهدي إلى الله سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء" ويهدي من يشاء": إبراهيم - 4، وقال تعالى: في مؤمن آل فرعون، "وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد": مؤمن - 38، قال تعالى: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون": التوبة - 122، وسيتضح لك هذا المعنى مزيد اتضاح.
ثم إنه تعالى بين سبب موهبة الإمامة بقوله: "لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون الآية" فبين أن الملاك في ذلك صبرهم في جنب الله - وقد أطلق الصبر - فهو في كل ما يبتلي ويمتحن به عبد في عبوديته، وكونهم قبل ذلك موقنين، وقد ذكر في جملة قصص إبراهيم (عليه السلام) قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين": الأنعام - 75، والآية كما ترى تعطي بظاهرها: أن إراءة الملكوت لإبراهيم كانت مقدمة لإفاضة اليقين عليه، ويتبين به أن اليقين لا ينفك عن مشاهدة الملكوت كما هو ظاهر قوله تعالى: "كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم": التكاثر - 6 وقوله تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - إلى أن قال - كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين، وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون": المطففين - 21 وهذه الآيات تدل على أن المقربين هم الذين لا يحجبون عن ربهم بحجاب قلبي وهو المعصية والجهل والريب والشك، فهم أهل اليقين بالله، وهم يشهدون عليين كما يشهدون الجحيم.
وبالجملة فالإمام يجب أن يكون إنسانا ذا يقين مكشوفا له عالم الملكوت - متحققا بكلمات من الله سبحانه - وقد مر أن الملكوت هو الأمر الذي هو الوجه الباطن من وجهي هذا العالم، فقوله تعالى: يهدون بأمرنا، يدل دلالة واضحة على أن كل ما يتعلق به أمر الهداية - وهو القلوب والأعمال - فالإمام باطنه وحقيقته، ووجهه الأمري حاضر عنده غير غائب عنه، ومن المعلوم أن القلوب والأعمال كسائر الأشياء في كونها ذات وجهين، فالإمام يحضر عنده ويلحق به أعمال العباد، خيرها وشرها، وهو المهيمن على السبيلين جميعا، سبيل السعادة وسبيل الشقاوة.
وقال تعالى أيضا: "يوم ندعوا كل أناس بإمامهم": الإسراء - 71 وسيجيء تفسيره بالإمام الحق دون كتاب الأعمال، على ما يظن من ظاهرها، فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها، والآية مع ذلك تفيد أن الإمام لا يخلو عنه زمان من الأزمنة، وعصر من الأعصار، لمكان قوله تعالى: كل أناس، على ما سيجيء في تفسير الآية من تقريبه.
ثم إن هذا المعنى أعني الإمامة، على شرافته وعظمته، لا يقوم إلا بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الذي ربما تلبس ذاته بالظلم والشقاء، فإنما سعادته بهداية من غيره، وقد قال الله تعالى: "أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى": يونس - 35.
وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره، أعني المهتدي بغيره، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه، وأن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة.
Bogga 157